الشيخ حافظ سلامة: رفضت أوامر السادات بتسليم السويس..وروينا الأرض الباسلة بدماء الإسرائيليين
قائد المقاومة الشعبية يروى كواليس منع الجيش الإسرائيلى من احتلال السويس
الشيخ حافظ سلامة يفتح قلبه لـ«الزمان»:
رفضت أوامر السادات بتسليم المدينة.. وروينا الأرض الباسلة بدماء الإسرائيليين.. وهذا سر رفضى لمنصب المحافظ.. وأتعاون مع الجيش منذ 1948.. لم يوجد خائن واحد بين أبناء السويس رغم ضنك العيش.. قوات الاحتلال وجدت نفسها فى مدينة الأشباح.. جمعت الشاردين من أبناء الجيش والسويس ورتبت الصفوف حتى انتصرنا.
رفض أن يهاجر مع أسرته وفضل البقاء فى محافظة السويس، رغم أن عمره آنذاك لم يتجاوز 19 عامًا، بعد أن أصبحت مدينته أحد مناطق الصراع بين فى الحرب العالمية الثانية بين قوات المحور والحلفاء، ذلك الشاب العشرينى وفر نفقاته من إدارته لمحل الأقمشة الذى يمتلكه والده وكان يرسل الأموال لعائلته التى هاجرت إلى القاهرة، كما لعب دورًا كبيرًا فى عمليات الدفاع المدنى لمساعدة الجرحى والمصابين فى تلك الحرب، جاء ذلك بجانب مساندة للشعب الفلسطينى ومقاومتهم للاحتلال فأمد المقاومة الفلسطينية بالسلاح، حتى قبض عليه فى إحدى المرات وحوكم بالسجن 6 أشهر ولكن تم الإفراج عنه بعد 59 يومًا.. إنه الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية فى السويس.
وواصل الشيخ حافظ نضاله ضد الاحتلال الإنجليزى، وشكل أول فرقة فدائية فى السويس، كانت مهمتها الرئيسية مهاجمة قواعد القوات الإنجليزية المرابطة على حدود المدينة، والاستيلاء على كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة وذخائر.
وروى «المجاهد التسعينى» كواليس أخطر وأهم المعارك الفدائية فى حياته وكيفية تعامله معها، بجانب دوره فى التعاون مع القوات المسلحة وسر عشقه لها.
وفى حوار خاص لـ«الزمان»، فتح فيه قائد المقاومة الشعبية قلبه وتحدث عن تفاصيل إجهاض المخطط الإسرائيلى فى احتلال مدينة السويس، وكيف تحدى شارون والهزيمة النكراء التى ألحقها بقوات الاحتلال فى موقعة الأربعين؟ وبيّن موقفه من قرار القيادة السياسية فى القاهرة وسر تمرده على السادات وتمسكه بالمقامة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى.
كما قص لنا شيخ المجاهدين، حكاية اجتماعه مع قائد القوات العسكرية فى مدينة السويس وإنذار شارون بتدمير المدينة فى حالة عدم تسليمها، وكيف تحول مسجد الشهداء إلى غرفة عمليات للفدائيين والعسكريين وكيف عجزت إسرائيل عن الوصول إليه؟.. العديد من الكواليس والأسرار كشف عنها المجاهد التسعينى فى الحوار التالى.
صف لنا الوضع فى مدينة السويس عندما حاولت القوات الإسرائيلية احتلالها؟
كنا نستمع إلى البيانات الرسمية فى محطات الإذاعة يوم 23 أكتوبر من عام 1973، وأعلنت خلالها جميع المحطات الإذاعية عن حدوث اختراق فى صفوف قواتنا المسلحة نجحت فيه القوات الإسرائيلية مستغلة ثغرة «الدفرسوار»، وأن العدو تمكن من تمرير 7 دبابات فقط، ولكن فى الحقيقة دخل العدو إلى مدينة السويس بـ6 ألوية كان قوامها العسكرى 600 دبابة ومصفحة.
ولم يكن أهل السويس يعلمون بالتطورات التى حدثت على أرض الواقع، وبعد أن كنا نسمع أنها 7 دبابات تفاجأنا بـ6 ألوية عسكرية.
حينذاك لم يكن أمامنا سوى البيانات الرسمية التى اتضح أنها لا تعبر عن الحقيقة، وفجأة دخلت هذه الدبابات إلى مدينة السويس وانتشرت فى أطراف المدينة وبين شركات البترول والأسمدة والقاعدة البحرية.
ومع مغرب 23 أكتوبر كانت المفاجأة التى لم نكن نتوقعها، ولم نستعد لها، ولكن كنا بين أمرين إما أن نستسلم للعدو أو نقاتل دون إمكانيات متاحة لنا.
وماذا فعلتم؟
لم نسلم أرضنا.. فرض علينا القتال وهو كره لنا (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم)، فلم يمض على نبأ دخول المدرعات الإسرائيلية دقائق إلا ونحن نفكر كيف يكون لقاؤنا بهم، وهكذا تعمل الجيوش المتحاربة تحاصر المدينة المراد احتلالها.
فى هذه الليلة لم أر فيها النوم، وكنت أقوم بتجميع الشاردين من أبنائنا فى القوات المسلحة ومعهم أسلحتهم، وهم مؤخرة القوات التى عبرت القنال، ولكنهم جاءوا فرارًا أمام الزحف، ومن المواطنين الذين كانوا بمدينة السويس، ولأول مرة تكون المعركة بتلاحم من القوات المسلحة وأبناء الشعب، لأن الجميع على يقين من أنهم يدافعون لمصر وباسم مصر حفاظًا منهم على المدينة استراتيجية كمدينة السويس وهى مشهورة عالمية وأى مساس بها إنما هو نصر لهؤلاء الأعداء.
كيف استطعتم الانتصار على قوات الاحتلال فى موقعة الأربعين؟
استطاعت هذه القلة من الشاردين من الجيش المصرى ومن معه أبناء السويس بتحطيم جميع القواعد العسكرية، واستطعنا بفضل الله تعالى أن ننصب لهم الكمائن بعد تحديد أماكن مرورهم كما توقعنا.
وأعطينا الأوامر للفدائيين والعسكريين بعدم إطلاق طلقة واحدة إلا بعد أن يدخل العدو مدينة السويس، ومع أول طلقة متفق عليها حسب الخطة بدأت المعركة وكانوا قد دخلوا منطقة ومسجد الأربعين.
ولقد كان القتال مروعًا بهذه المنطقة ولدينا بعض الصور لهذه المدرعات الإسرائيلية وهى مدمرة على أيدى هؤلاء الأبطال، وكانوا بمدرعاتهم يحاولون الفرار قدر استطاعتهم، ولكن أبناءنا من القوات المسلحة ومن أبناء السويس استطاعوا أن يدمروا 76 دبابة ومدرعة.
وهل بهذا انسحبوا من جميع المناطق فى مدينة السويس الباسلة؟
ليس بعد، لقد كان هناك 7 دبابات تحاصر مبنى المحافظة، ولكن هذه الدبابات تصدى لها الملازم أول شهيد صفوت، والجندى شوقى، فالاثنان فقط تصدا لهذه الدبابات المحاصرة ودمرا الأولى منها وفر الباقون.
صف لنا حال المحتلين؟
إن العدو الإسرائيلى مع أول صدام له فى هذه المدينة رآها وكأنها مدينة أشباح أصبحت جحيمًا لمن دخلها بقواته، وتحطمت جميع آلياتهم وفروا هاربين إلى خارج المدينة.
هل جندت قوات الاحتلال أحدًا من أبناء السويس؟
رغم الظروف الصعبة والحصار الذى ترفضه قوات الاحتلال، لكن لم يكن بيننا خائن أو عميل ونفخر بأنه لم يوجد مواطن مصرى واحد من المدينة ولا جنديًا مصريًا واحدًا قام بالخيانة مع العدو أو تعامل معه، وكانوا يضحون بالجوع والعطش ولا تمتد أيديهم بالخيانة مع الأعداء.
هكذا المواطن المصرى سواء كان من القوات المسلحة أو من المدنيين لم يخونوا ولم يكونوا جبناء.
هل انتهت المعركة بانسحاب الصهاينة؟
لم تنته بعد، وأنذر «شارون» محافظ المدينة - وكان محمد بدوى الخولى آنذاك- بتسليم المدينة وإلا قاموا بتدميرها، وتشاور المحافظ مع مدير الأمن والقيادات العسكرية التى كانت فى المدينة، والكل أجمع على تسليمها والاستجابة لهذا الإنذار قبل مرور النصف ساعة من صدوره.
أين كنت فى هذه اللحظة وكيف تعاملت مع قرار تسليم المدينة؟
وكنت فى مسجد الشهداء ومعى العميد عادل إسلام، الذى صدر له قرار من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بأن يتولى أمر القيادة بالسويس، واتصل به المحافظ وأبلغه بالإنذار الإسرائيلى وطلب منه أن يحضر ومعه الراية البيضاء للذهاب إلى القائد الإسرائيلى؛ لتسليم المدينة وتم لهم الاتصال بالقاهرة وإبلاغ الرئيس السادات، وعرضوا عليه الموقف ووضع المدينة التى تفتقد للماء والغذاء وقوات الدفاع عن المدينة ووافق السادات على تسليم المدينة.
فرأيتُ لو سلمت معهم لكان مصيرى الأسر ثم القتل، فاخترت الشهادة فى سبيل الله والوقوف ضد الإنذار الإسرائيلى وأعلنت عن عدم الاستجابة للرئيس ولا للقيادات بالسويس حينذاك.
وماذا فعلت؟
من مكبرات الصوت بمسجد الشهداء، جاء ردى على الإنذار الإسرائيلى بالرفض، وأن مدينة السويس على استعداد لخوض معركة ثانية، وأن أرض السويس الطاهرة فى حاجة لأن تروى بدمائكم القذرة مرة ثانية وأهلًا وسهلًا بكم وفى انتظاركم.
كيف ردت القوات الإسرائيلية عليك؟
انتظرنا الرد الإسرائيلى بما هدد به، بشأن تدمير المدينة بطيرانه، ولكن ردى جعلهم يتصورون أننا وصلتنا إمدادات كبيرة حتى استطعنا بدل التسليم أن نهدد بعدم التسليم ولم يفعلوا شيئًا، وهنا ألقى الله سبحانه وتعالى الرعب فى قلوبهم وصدق النبى صلى الله عليه وسلم: «نُصرت بالرعب»، وقال تعالى: (سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).
فأقولها حقًا وصدقًا، لم يكن أبناء السويس والقوات المسلحة التى تواجدت بالمدينة تستطيع بكل المقاييس العسكرية أن تتصدى لمثل هذا الهجوم، ولكنها إردة الله، وقال تعالى: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم)، ما أحوجنا إلى العودة إلى الله لعل الله سبحانه وتعالى يغير حالنا إلى أحسن حال.
لقد عاصرت رؤساء مصر من محمد نجيب إلى الرئيس السيسى.. ما رأيك فى كل منهم؟
سئلت هذا السؤال من قبل، وقلت لم يكن أحد منهم إلى الآن قد استجاب إلى مطالب الشعب، وكل يوم نسمع عن زيادات الأسعار وغلاء المعيشة، بينما كانت مصر بفضل الله من أغنى بلاد العالم، لقد كان الدولار الأمريكى يساوى 24 قرشًا مصريًا، والجنية الإسترلينى يساوى 97 قرشًا.
وكانت مصر تدين بريطانيا المحتلة حينذاك، كما كانت تدين أغلب القارات فمصر لديها بفضل الله الإمكانيات الكثيرة والكنوز التى فى باطن أراضيها ويمكن استغلالها بشكل استثمارى، فعلينا أن نخرج من أزماتنا ويبقى قوتنا من أرضنا ونمنع ما نستورده الآن وهو يمثل فضيحة لنا، فلدينا البحر الأحمر والأبيض والبحيرات ونستورد الأسماك من الخارج، ولدينا نهر النيل بآلاف الأميال فأين الأسماك، هل عجزنا حتى عن استيراد «شوية الملح.. والفول المدمس يدمس لنا من الخارج»، يجب أن نحرر أرضنا ولا نعتمد على غيرنا كفانا 60 عامًا وأصبحنا مثلًا سيئًا لغيرنا.
عرض عليك منصب محافظ السويس.. لماذا رفضت؟
عندما عرض علىّ منصب محافظ السويس، اخترت أن أكون حافظًا خير من أكون محافظًا.
شيخنا الفاضل.. هل تبيّن لنا كيف كانت علاقتك بالقوات المسلحة؟
تربطتنى علاقة قوية جدًا بالقوات المسلحة المصرية والتى بدأت منذ 48 عامًا، واشتدت تلك العلاقة خلال حرب الاستنزاف إلى حرب أكتوبر 1973، وكان دورى مع القوات المسلحة كبيرًا خلال السنوات التى سبقت معركة العبور، ولكن معركة السويس كانت الأهم فى حياتى، بل هى معركة عالمية.