أول من رفع العلم المصري في نصر أكتوبر: قوات حفظ السلام وراء استشهاد عبد المنعم رياض
فى نصر أكتوبر عبرة لتحرير الأراضى العربية المختصبة
العباسى: لم يوجد جندى مصرى خائن.. وعلمنا بالحرب قبلها بأسبوع
العباسى: 50 جنيها كانت سببا لحرب الاستنزاف.. واستفزازات الصهاينة دفعتنا إلى الثأر
أحد أبطال أكتوبر: شباب 2018 ينصاعون للغرب.. وعليهم سلوك نهج الأبطال
لو يملك العرب مقومات الحرب الآن لأبادوا إسرائيل ومن وراءها
ترك السرب وغرد منفردا متفاديا الألغام ونيران العدو والأسلاك الشائكة؛ ليصعد فوق أول نقطة تُحرر على أرض سيناء الطاهرة.. بالضفة الشرقية للقناة رافعا العلم المصرى، الذى غاب عنها لسنوات، خفاقا فى سماء أرض الفيروز؛ ليسير جميع المقاتلين على موضع قدمه حتى لا تلتهمهم الألغام، وليعلنوها جميعا من أول نقطة فى القنال «الله أكبر».
إذا خطت قدماك محافظة الشرقية بمدينة القرين مركز أبو حماد، تعرفه من حديث الكبار والصغار عن بطل مدينتهم.. يدلونك على أحد أبطال أكتوبر، محمد عبد السلام العباسى الشهير بـ«محمد العباسى».
يعيش بين أحفاده الصغار الذين يقص عليهم بسالة الجندى المصرى فى حرب أكتوبر وعلى مر العصور، وهو ما دفع «الزمان» للذهاب إلى مسقط رأسه لإجراء حوار معه، يسرد فيه جزءا لا يمكن تغافله فى معركة الكرامة، إذ يسلط الضوء من خلال مشاركته فى حرب العبور على بسالة وشجاعة الجندى المصرى الذى اكتملت به ملحمة النصر وكيف عاقب أبناءنا فى القوات المسلحة الكيان الصهيونى فى 1973.
إلى نص الحوار:
بداية.. متى انضممت إلى القوات المسلحة؟
شرف لكل مصرى يعشق تراب مصر أن يخدم فى جيشها العظيم، واستدعيت للتجنيد فى 1 يونيو 1967، وذلك قبل حرب النكسة بأيام ومع بداية عام 1968 انتقلت إلى الإسماعيلية، وخضت مع زملائى من الجنود المصريين التدريبات العسكرية فى سلاح المشاة، إذ كانت التدريبات على حمل السلاح والتدريب على استخدامه ليلا ونهارا شاقة جدا.
أى أنك التحقت فى وقت عصيب.. صف لنا الحالة العامة حينها.
كنا فى حالة لا يرثى لها وغيظ وغضب شديدين؛ لسلب الأرض المصرية من قبل حثالة لا يساوون شيئا، إلا أنه كان هناك عزيمة وإصرار وأمنيات بعودة أرض سيناء الحبيبة إلى حضن مصر الغالية.
وكانت هناك استفزازات من الجنود الإسرائيليين، إذ كانوا يعملون على إضعاف النفسية المصرية، فكانوا يأتون على الحوائط الكبيرة ويكتبون عليها «ستظل مصر جثة هادمة».
وفى سنة 70 كانوا يقومون ليلا وينادون ويقول: «يا محمد» - نسبة إلى سيدنا رسول الله- وكنا نرد ونقول: «يا يعقوب»، فيقولون: «أتريد أن تسمع أم كلثوم أتريد أن تسمع فريد الأطرش.. إلخ».
وكان إخواننا المصريين عندما يرون من يرتدى البدلة العسكرية بعد نكسة 67، يقولون: «أنتم جبتوا لنا النكسة، وحينها نفسك تتحطم ونفسك ترجع تأكل اليهود لأنهم أخذوا شيئا غاليا منك، خاصة وكنا ننظر إلى سيناء على أنها شيء كبير وأنا عرفت قيمتها بعدما حررناها وخرجت من الخدمة العسكرية».
وكل هذا مهد لنا الطريق لخوض مرحلة جديدة من حرب الاستنزاف التى بدأت أول شرارة لها فى مارس 1968، وكان سببها الظابط محمد القصاص - رحمه الله- ضابط ذخيرة، وكانت القيادة قد أعطتنا أوامر بأن لا نطلق النيران على العدو مهما حدث إلا عند عبوره القناة فقط.
فقال القصاص: «وهو أنا هستنى أبويا علشان يدينى أوامر أضرب ولاد الكلب دول» وبالفعل أخذ اثنين من الجنود القناصة، وصعد فوق مستشفى هيئة قناة السويس الموجودة على القناة، وكانت تطل على الدشمة الحصينة لإسرائيل - خط بارليف- فأخذهم وصعد أعلى مستشفى وقال لهم: «إحنا عاوزين نصطاد منهم بس مش أى حد عاوزين صيد ثمين»، وظلوا فى انتظار إلى أن جاءت عربة وبها شخص، وأدى جميع الجنود الإسرائيليين التحية له، فقال القصاص: «هو ده الشخص المطلوب» وفى لحظة كان هذا الشخص ذا الرتبة الإسرائيلة مقتولا، وبعدها أعلنوا عن مقتل قائد القطاع الشمالى لهم، وحينها غضبت إسرائيل.
وبعد مقتل هذا الصهيونى فرح قادتنا فى الجيش المصرى فقاموا بصرف مكافأة كبيرة خمسون جنيها لهؤلاء العسكريين وكان مرتب العسكرى حينها 243 ساغا، ومن هنا انتشرت القناصة المصرية على قناة السويس، وبدأت حرب الاستنزاف.
وأين قوات حفظ السلام من هذا؟
لم تكن قوات حفظ السلام قد أتت فى هذا الوقت، ولكن بعد هذه الحادثة، أرسلت الأمم المتحدة قوات حفظ السلام، وأنشأت لهم نقطة بجوار وحدتنا.
وفى ذات يوم علمنا أن أحد قيادتنا سيأتى لزيارة الموقع الذى نمكث به، فتهيأنا ونظفنا أماكنا، وكانت حينها زيارة الشهيد عبد المنعم رياض رحمة الله عليه.
فعلم من كان فى نقطة حفظ السلام التى كانت بجوارنا بقدومه، فأرشدوا الكيان الصهيونى إلى أن هناك رتبة مصرية ستزور الموقع فى هذا اليوم.
ثم حضر «الشهيد» وصعد أعلى مستشفى «الهيئة» للمعاينة ومن هنا خرج صاروخ إسرائيلى عابرا القناة إلى المستشفى واستشهد عبد المنعم رياض وبترت قدم مقدم كتيبتنا وأصيب بعض المرافقين لهم.
وما رد القيادة المصرية على هذه الخيانة؟
رأت القيادة أننا قادرون على فعل شيء، بعد أن قتلنا قائد القطاع الشمالى الإسرائيلى، واستشهاد البطل عبد المنعم رياض، فخرجت الأوامر أن من يستطيع فعل شيء فليفعل، وحينها وجدنا متنفسا، فكانت مجموعات مصرية تعبر البر الثانى ليلا وتضع ألغاما وتعود، وآخرون يرمون قنابل وآخرون يقومون بعمليات فدائية، وبدأت حرب الاستنزاف التى تاه فيها اليهود.
ما مدى استعدادكم ليوم الثأر.. ومتى كنتم تتوقعونه؟
كنا على يقين وثقة بالله بأننا فى يوم من الأيام لا بد أن نحرر سيناء من الكيان الصهيونى، ونرد عار أبناء مصر، وأجرينا تدريبات شاقة وكان المجند يمكث ثلاثة أيام مرتديا البيادة من كثرة التدريبات، وهذا عملا بقول ربنا: «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ »، «فما استطعتم» أى من قوة البدن وهذا لن يأتى إلا بالتدريبات، و«من رباط الخيل» هى الدبابات والمعدات وأدوات الحرب.
وإيمانا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض.. فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟.. قال: لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة».
حدثنا عن ليلة العبور.
قبل بدأ المعركة بأسبوع علمنا أننا مكلفون بعمل مشروع تكتيكى بالذخيرة الحية، من القصاصين وأبو صوير إلى القنطرة، وكان على مواقع حية تشابه المواقع الإسرائيلية ويقابلنا عدو بذخيرة حية، واشترك فى هذه التدريبات المشاة والطيران والمدفعية وكل أسلحة الجيش وكان مشروعا ناحجا حتى وصلنا إلى القنطرة.
وبعد أن عدنا من هذا المشروع، جمع القائد الكتيبة بأسرها وقال: «شرفا أن وحدتنا أدت المشروع ببسالة وبإذن الله المشروع المقبل سيكون على إسرائيل»، فغمرتنا الفرحة العارمة لأننا كنا ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر حتى نحرر أرضنا ونعيد هيبتنا.
ثم قال القائد: «من اليوم لا حساب بمعنى أننا كنا نحاسب على فوارغ الطلقات ولكن من ذاك اليوم لن تحاسب عليها، وأمرنا إذا وجدنا أى عيب فى سلاحنا نأخذ غيره».
وفى الخامس من أكتوبر، وكان يوم جمعة، فرشنا لصلاة الجمعة وفرش العلم المصرى معنا، جاء شيخ من التوجيه المعنوى وألقى خطبة مضمونها عن غزوات النبى وانتصاراته فى رمضان وكرامة الجندى المصرى، والشهيد وكرامته عند الله، وحبب الجميع فى الشهادة.
وفى عصر هذا اليوم جمعنا قائد الجماعات والفصائل، وألقى علينا أوامر قائلا: «هذا سرى جدا فاحتفظوا به.. اليوم الجمعة ونحن صيام ولكن غدا لا صيام.. لأننا سنخوض معركة حقيقة.. بنود القتال كالآتى: ساعة الصفر الساعة الثانية ظهرا من اثنين إلى اثنين وخمسة مدفعية ومن اثنين وخمسة إلى اثنين وعشرة طيران، ثم نحمل القوارب فى عودة الطيران ستقام شعلة نارية أخرى من المدفعية ثم نعبر قناة السويس ونفتح خط بارليف.. ونحن مكلفون بالنقطة رقم واحد بالقنطرة والنقطة رقم الثانية على لسان الملاح».
أما عن تقدير القتال، فقال: «من 1 إلى 3 بمعنى أن المجموعة الأولى هتعدى وتموت والمجموعة الثانية هتعبر وتستشهد والثالثة هتعبر وتنتصر».
فكل منا شايل روحه على كفه علشان تعود سيناء ونشيل العار عن مصر والدول العربية، وبالفعل سلمونا أسلحة جديدة لم تستعمل إلا معنا، إضافة إلى ترمبات المياه وكانت أول مرة تشترك فى الحروب، وكان هذا خداع إستراتيجى للعدو الصهيونى.
وماذا عن كواليس العبور؟
يوم السبت صباحا، قبل عبورنا قناة السويس، جاء الإفطار وأفطرنا، ثم جاء بعض العسكر بغسيل ملابسهم ونشروها، وآخرون لعبوا كرة وآخرون كانوا يرقصون ويغنون، وكل هذا لخداع العدو.
وكان السادات - رحمة الله عليه- يقول: «هذه السنة السنة الحاسمة»، فتستعد إسرائيل.. وهكذا كل سنة إلى أن جاءت سنة العبور ولم يقل شيئا.
ارو لنا كيف عبرت ونلت شرف أن تكون أول من رفع علم مصر؟.. ومغامراتك مع خط بارليف؟
دخلنا القناة وقبل الدشمة والأسلاك الشائكة والألغام كانت قوات العدو تطلق علينا النيران والقنابل التى كانت فى خط بارليف الذى كانوا يلقبون «المنيع الذى لا يقهر».. وأنا أرى أنه ذكر فى كتاب الله فى قوله: « لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعا إِلَّا فِى قُرى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ».
ومن هنا جاء دور المهندسين العسكريين والذين قاموا بفتح ثغرة داخل الدشمة الحصينة وكانوا يفتحون ثغرات متر ونصف فى متر ونصف، بالديناميت المدمر.
وأثناء عمل المهندسين كنا نغطى عليهم، بأن نرمى القنابل اليدوية على العدو ونطلق النيران.
وأنا تدربت فى سلاح المهندسين وكنت أعرف مكان اللغم، تحسست مكانه وتفاديته وتخطيته وصعدت فوق الدشمة قبل أن يأتى زملائى، فعندما رآنى القائد قال لهم: «شايفين العباسى طلع إزاى».. فأخذوا يمشون على خطايا حتى صعدوا معى الدشمة وصعدنا إلى القمة وبدأنا نطلق النيران على عساكر العدو التى تتقهقر .
ومن هنا سيطرنا على النقطة الحصينة رقم واحد من القنطرة شرق، فأتى قائد الكتيبة وكان معه العلم وقال لى: «مبروك يا عباسى.. ارفع العلم»، فقمت بإنزال العلم الإسرائيلى ووضعته تحت قدمى، ورفعت العلم المصرى.
فى هذا الموقف الذى تقشعر منه الأبدان.. ماذا كان شعوركم؟
هذه أسعد لحظة فى حياتى، وحينها نظرت إلى الجنود فوجدت بينهم من رفع يده شاكرا لله ومن سجد لله شكرا، قائلين: «الله أكبر.. تحيا مصر».
وعندما رفع العلم بلغ قائد الفرقة العمليات، ومن هنا خرج البيان العسكرى الأول «بسم الله الرحمن الرحيم.. جاءنا ما يلى: قامت القوات الإسرائيلية بالتناوش مع القوات المصرية وقامت قواتنا الباسلة بعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف ورفع العلم».
وفى عصر يوم السادس من أكتوبر أغارت الطائرات الإسرائيلية، التى كانت ملقبة بـ«ملوك الجو»، فكان الفخر بفضل الله أن كلفت الصواريخ المصرية بأن تسقط الطائرات الإسرائيلية، فتصدت الصواريخ للطائرات فتحطمت الأولى والثانية تركها الطيار ونزل بالـ«براجوت» وتم أسره، والباقى فر.
ما زال الاحتلال موجودا بالأراضى العربية.. ماذا نفعل لكى نمحى أثره من بلادنا؟
على العرب أن يخطو حذو خطوات النبى صلى الله عليه وسلم، ثم خطوات مصر فى أكتوبر، وعليهم أن يأخذوا بالأسباب والله وعدهم بالنصر؛ ولكنهم ليس معهم مقومات الحرب ولو كانت معهم لأبادوا إسرائيل ومن ورائها.
كيف تجد الفرق بين جيل 1973 وشباب 2018؟ وما نصيحتك لكى يصبحوا مثلكم؟
هناك فرق كبير بينهما، فشباب أكتوبر رووا أرض مصر بدمائهم أما شباب اليوم يتكلمون أكثر مما يفعلون، فمنهم من يدعى أنه لو معه سلاح سيفعل كذا وكذا.. وأرد عليهم «يا ابنى أنت لو سمعت صوت طلقة هتجرى».
ولكى يكون الشباب رجالا عليهم أن يعودوا إلى روح أكتوبر، وأن يتركوا التقليد الأعمى للغرب فى كل شيء، والأولى أن يقلدوا النبى -صلى الله وسلم- وأن يعودوا إلى قيم ومبادئ آبائهم وأجدادهم.
ولو عدنا إلى الإسلام وسنة النبى، ستعود الدنيا ليس فقط فلسطين ولا العرب بل الدنيا بما فيها؛ لأن الله يقول: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ».