نقاش حول: (مواجهة الشائعات وتزييف الوعى) بالأعلى للثقافة
تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة، والدكتور هشام عزمى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، عقد المجلس الأعلى للثقافة ندوة بعنوان: (مواجهة الشائعات وتزييف الوعى)، ونظمتها لجنة ثقافة القانون والمواطنة وحقوق الإنسان بالمجلس، وأدار النقاش مقررها الدكتور خالد القاضى؛ رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة، وشهدت الأمسية مشاركة كل من: الدكتور أحمد زايد؛ أستاذ علم الاجتماع ومقرر لجنة مواجهة التطرف والإرهاب بالمجلس، والدكتور حسن عبد الحميد؛ عميد كلية القانون بالجامعة البريطانية وعضو اللجنة، والدكتور محمد المهدى؛ أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، والدكتورة هالة رمضان؛ رئيسة المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وذلك مساء أمس الثلاثاء الموافق 20 من شهر فبراير الجارى، بقاعة المجلس الأعلى للثقافة الرئيسية، وتضمنت الفاعلية تكريم اسم المرحوم الدكتور أحمد خليفة، ومنح أسرته درع المجلس تقديرًا تقديرًا لما بذله من جهود وإسهامات متميزة فى المجال القانونى.
تحدث الدكتور حسن عبد الحميد ملخصًا مفهوم الوعى من وجهة نظر فلسفية، مستشهدًا ببعض آراء الفلاسفة فى هذا الإطار، وتابع موضحًا أنه وفقًا إلى رؤية كارل ماركس يُعتبر الوعى ليس مجرد فهم فردى للواقع، بل هو نتاج تكاملى للتجارب والظروف الاجتماعية والاقتصادية التى تعيشها مختلف الطبقات الاجتماعية، كما تناول ماركس فكرة ارتباط الوعى بشكل كبير بالبنية الاقتصادية للمجتمع؛ حيث يرى أن الطبقات الاجتماعية تشكلت استنادًا إلى العلاقات الإنتاجية، وهذه العلاقات الإنتاجية تحدد بشكل أساسي الوعي والمفاهيم الثقافية والفلسفية التى يحملها الأفراد، وهو ما جعل ماركس يطلق اصطلاح الوعى الطبقى، وتناول فى مختتم حديثه فكرة التأثير الكمى، مستندًا إلى مقولة لينين: "تصبح الكذبة حقيقة إذا تم تكرارها بما يكفى"، وهذه المقولة ببساطة تشير إلى عملية استخدام الدعاية والبروباجندا لتغيير الوعى الجماعى وتشكيل الرأى العام؛ لإقناع الناس بشىء ما، سواء كان ذلك صحيحًا أو غير صحيح، بواسطة تكرار الأكاذيب بشكل متواصل، إلى أن تصبح جزءًا من الواقع المترسخ لدى الرأى العام، حتى لو كانت تصادم الحقائق الواقعية، ومن خلال تكرار المعلومات بشكل مستمر، يمكن أن يؤثر هذا التأثير الكمى فى تشكيل الوعى والمعتقدات لدى الناس، حتى لو كانت تلك المعلومات غير صحيحة.
فيما تحدث الدكتور محمد المهدى، مشيرًا إلى أن الشائعات تلعب دورًا مؤثرًا فى الأحداث على المستويين الجماعى والفردى، وتابع مقدمًا بعض الأمثلة توضح تأثير الشائعات، ومن بين ذلك شائعة أن سقراط يفسد عقول الشباب بما يطرح عليهم من تساؤلات، وأدت هذه الشائعة إلى حشد الرأى العام ضده والمطالبة بقتله وهو ما تم بالفعل، وكذلك حينما أشاع بعض أعوان نيرون أنه لم يحرق روما، وإنما أحرقها مجموعة ممن يتبعون الديانة المسيحية، وهو ما أدى إلى توجيه حملة اضطهاد نحو مسيحيو روما،
وتابع موضحًا أن الشائعات لها عدة أنواع مثل: الشائعة الزاحفة: وهى التى تنتشر ببطء وبسرية، والشائعة الاندفاعية : وهى تنتشر بسرعة فائقة مستندة إلى مشاعر انفعالية عنيفة، والشائعة الغاطسة: وهى تنتشر فى ظروف معينة ثم تختفى (تغطس) لتعاود الظهور فى ظروف مماثلة، وشائعة الأمل وتنتشر فى الأوساط التى تتمنى صحة هذه الشائعة، وشائعة الخوف وتنتشر فى أجواء التهديد المولدة للمخاوف، وذلك لدفع الخائفين إلى التسليم، وشائعة الخيانة وتنتشر بصفة خاصة فى أوقات الحروب والأزمات المصيرية، وتتركز عادة على الفئات المسئولة عن المواجهة مثل القادة السياسيون والعسكريون، وشائعة البعبع: وهى شائعة خوف مبالغة، وانتقل إلى دوافع إطلاق الشائعات، مثل توجيه تلك الشائعة نحو الشخص المستهدف لتشويه سمعته أو تغيير موقف الناس منه، وهذا يحدث كثيرًا تجاه أصحاب النفوذ والسلطان
وفى مختتم حديثه أشار إلى عدة طرق لمقاومة الشائعات وأبرزها: اليقظة للشائعات فى أوقات الأزمات والحروب وفترات التحول السياسى أو الإجتماعى؛ حيث يكون المناخ مهيئًا لانطلاق الشائعات وانتشارها، مما يحتم توافر المعلومات الصحيحة والصادقة عن أى موضوع يهم الناس، مع تبنى أعلى درجات الشفافية مع الناس حتى لا يقعوا فريسة الغموض والالتباس، والاهتمام بتعليم الناس وثقافتهم، والأهم من ذلك تربية النشء على التفكير النقدى الذى يتأسس على تمحيص الأمور قبل تصديقها أو رفضها، علاوة على إشاعة فضيلة الصدق فى المجتمع، واعتباره من أهم المقومات الأخلاقية للناس بوجه عام ولقادة السياسة والفكر بشكل خاص.
ختامًا تحدثت الدكتورة هالة رمضان، مؤكدة أن موقع "فيسبوك" يُمثل إحدى أبرز الشبكات الاجتماعية التى انتشرت بصورة كبيرة وتضاعف عدد مستخدميه عبر السنوات التالية؛ حيث يعتبره مستخدموه أحد أكثر المواقع التى تساعد فى التواصل والتفاعل مع الآخرين، وهو ما تم التوصل إليه بالدراسة الحالية التى أتمها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية؛ حيث أكدت نتائج الدراسة الميدانية أن أغلب أفراد العينة يتابعون مواقع التواصل الاجتماعى كأكثر وسائل الاتصال والإعلام استخدامًا ومتابعة، وفى مقدمتها موقع فيسبوك، وأوضحت الدراسة أن الهدف من وراء نشر الشائعات من وجهة نظر أفراد العينة جاءت أبرزها على النحو التالى: خلق الفوضى فى المجتمع، بث الخوف فى نفوس المواطنين، بث الكراهية بين المواطنين، تحقيق المنفعة الشخصية والكسب المادى، النيل من سمعة المنافسين الاقتصاديين أو السياسيين أو بعض الشخصيات الفنية أو الإعلامية المخالفة فى الرأى، كما أن الشائعات فى أحيانٍ أخرى تكون عفوية وغير مقصودة، وفى مختتم تلك الدراسة خلصت إلى عدة توصيات تتعلق بالمواجهة القانونية فيما يخص نشر الشائعات، وضرورة مراجعة أحكام جرائم الإنترنت باستمرار للتأكد من أنها تظل ذات صلة، وقابلة للتطبيق على مختلف أنواع الجرائم التى قد ترتكب فى المجتمع، ووضع قواعد قانونية ملزمة للمنصات الإلكترونية باتخاذ تدابير محددة لمكافحة الشائعات والأخبار الكاذبة، مثل تعزيز المعلومات الموثوقة ومكافحة الحسابات والمواقع التى تنشر معلومات كاذبة. وإجراء حجب الموقع فى بعض الحالات التى تشكل فيه الشائعة مساسًا بالأمن القومى أو المصالح العليا للبلاد، والعمل على وضع ضوابط تحكم عمل شركات تكنولوجيا الاتصالات فى إطار القانون الوطنى مع الاستفادة من التجارب الدولية والإقليمية فى هذا الإطار.