إلهام شرشر تكتب: الشيطان يعظ .. وإسرائيل تحكم
مأساة سوريا توجب على كل عاقل أن يُشغل بها فهي جزء لا يتجزأ من عروبتنا … تاريخها حافل بالأمجاد والأحداث … ومكانتها الدينية لا تحتاج إلى دليل أو برهان … لذلك أمطرنا الحديث عنها … وإن كنت على يقين أن سوريا إنتهى فيها وقت الكلام … فقد اخفقت سائر المحادثات والمفاوضات … على تنوع أماكنها وانتماءاتها والدول المشاركة فيها ..
يرجع ذلك لسبب واحد وواضح وإن لم يخف على أحد … هو تضارب المصالح بين الدول التي فرضت نفسها عليها … سواء أكانت دولية أم إقليمية … فضلًا عن الفصائل المتعددة الأشكال المتنازعة مع السلطة وعليها ..
إن “الشأن السوري” بات في وضع خطير للغاية … خاصة بعد أن فرضت “إسرائيل” نفسها على الأزمة لتزداد تعقيدًا وصعوبة ومع ذلك ورغم كل هذه المداخلات الخطيرة … فعالمنا العربي يتأسف لما انتهت إليه … ويتنازع ويختلف في أفضل الطرق والأساليب للخروج من حدة ما تعاني وتعيش … ومع ذلك لم يحاول أن يبحث عن أفكار جديدة وأطروحات من الممكن … أن تساهم في معضلة سوريا ..
أعلم أن الوضع غاية في التعقيد وخاصة أن النتائج على الأرض لا تعطي فرصة حتى لمجرد التفكير … بعيدًا عن الواقع المؤلم والمتأزم والمتخاذل … لكن ماذا لو تركت الأمة العربية الاهتمام بسوريا ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!..
حتمًا فإن الوضع سيسير إلى نتائج نخشى جميعًا الوصول إليها من تقسيم لدولة سوريا وتغير ديمجرافية السكان فيها … ولزيادة النفوذ الخارجي بها … ولتمكين “إيران” لا محالة من أجزاء تتزايد مع الوقت وتتسع مع استمرار أعمال القتال في كثير من سوريا وبقاء تركيا في منطقة “عفرين” التي أعلنت السبت .. تواجدها بها حتى تستقر الأمور بها «كما زعموا» …
فسوريا التي وضع “الروس” خطوطًا حمراءً على كثير من حدودها والتي تتسع وتتضاعف مع الوقت … مما يثير بالضرورة الجانب “الأمريكي” … ويجعله مقيدًا في خطواته كما تقول “فينوجراد” محللة شئون الأمن القومي في شبكة “سي إن إن”: «إن أمريكا لا يمكن أن تستهدف أي موقع في سوريا وذلك لأن “الروس” انتشروا جغرافيًا هناك ووضعوا خطوطًا حمراء حولها»..
صحيح أن “أمريكا” تتجه وتستعد لمزيد من التدخلات في “سوريا” وخاصة بعد الاتهامات التي وجهت إلى “سوريا” باستخدام الأسلحة الكميائية … وعلى الرغم من أن الضربات من الممكن أن تتكرر بشكل أوسع .. كما سيتوقع “غوتيريس” الأمين العام للأمم المتحدة «بضرب سوريا مرة أخرى وتدمير مخازن الأسلحة الكميائية بها خلال أسابيع» ..
إذن هناك ضربات أخرى ستقوم “أمريكا” مع الغرب بتفيذها … هذه هي النتائج على مسرح العمليات القذرة في سوريا … ولكن يبقى السؤال …… هل من صالح الأمة العربية أن تكون لها دور على الأرض ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!
وإذا لم تحسم الأمة العربية هذه المسألة … فهل من الممكن أن تتوغل “إسرائيل” في “الشأن السوري” وتتجاوز مجرد الأهداف الـ“إيرانية” ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
هل من الممكن أن تتخذ من “إيران” ذريعة للتوغل في “سوريا” واحتلال أجزاء منها ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!! … على غرار “الجولان “ … خاصة في ظل الدعم الأمريكي المتزايد لـ “إسرائيل” وإذا تم ذلك … فماذا عن موقف الأمة العربية حينئذ من ذلك ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
هذه أسئلة مشروعة تدور في رأس كل مراقب للأزمة السورية بالغة التعقيد … تقودنا لا محالة إلى طبيعتها وحدتها وقسوتها ..
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو … مدى صحة إرسال “مصر” قوات عسكرية إلى “سوريا” من عدمه ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!
يبدو أن هذا السؤال طفى على سطح الواقع السياسي الأليم الذي يشهده العالم نتيجة لما تردد من طلب “أمريكا” إرسال قوات عربية إلى “سوريا” … ومع صحة هذا الكلام فإنه لم يكن ليتعلق من قريب أو من بعيد بمصر … وذلك وكما أفاد المتحدث الرسمي للخارجية المصرية … «بأنه لا يتم إرسال قوات خارج الأراضي المصرية إلا وفق آليات دستورية ومبادئ حاكمة لها ضوابط سياسية» ..
إذن فمصر لا تستجيب لأي طلب أو ضغط من أحد للمشاركة العسكرية في أي بقعة على الأرض مهمًا كانت هذه الضغوط أو حتى الدولة الضاغطة ..
فمصر لا تقبل أن يملي عليها أحد إرادتها … ولا يحدد لها وجهتها … ولا يفرض عليها أمر يخالف آلياتها الدستورية … والضوابط والقواعد التي تعمل من خلالها مثل الحالات الخاصة بعمليات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة … هذا من ناحية ..
ومن ناحية أخرى فمصر بما لها من مكان ومكانة .. وموقع ودور .. لها موقف ثابت ومحدد من الأزمة السورية … هذه المواقف نابعة من أواصر الصلات وطبيعة العلاقات التي تجمعهما عبر سنوات طوال … والتاريخ خير شاهد عليها .. ومسجل لها ..
ومن هنا فإن مصر لها سياساتها الثابتة تجاه سوريا .. قائمة على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضيها .. الحفاظ على مؤسساتها كدولة … كما أنها تقدم الحل السلمي السياسي عن طريق التفاوض بين جميع الأطراف «السورية السورية» …
كما أنها لا تقبل ولا ترضى أن تكون “سوريا” العربية مركزًا لتصفية صراعات القوى الدولية ..
كما أن مصر ترفض الحلول العسكرية التي انهكت الدولة السورية وكادت تنهي عليها شعبًا ومؤسسات … لأن الحلول العسكرية كما هو معلوم لا يمكن أن تكون بحال من الأحوال سبيلًا لحل الأزمة أو تنصب في مصلحة “سوريا” كدولة ..
كما أنها تطالب جميع الأطراف بالعمل على تحسين الأوضاع الإنسانية لما تبقى من أبناء هذا الشعب … الذي فر منه ومات أكثر من نصفه ..
إن مصر ترفض أن يتم التعامل مع رئيس “سوريا” رئيس دولة عربية مسلمة حتى وإن اختلفت الرؤى حول معالجة الأزمة السورية .. مصر ترفض أن يكون رئيس “سوريا” صدامًا جديدًا .. ولا قذافًا جديدًا ..
إن مصر لتدعو وفي أسرع وقت لاستئناف مباحثات جنيف السياسية تحت إشراف “الأمم المتحدة” ..
صحيح هذا هو موقف مصر المعلن بشكل رسمي وإني لأعتقد أن مصر لا يمكن أن تألو جهدًا في خدمة قضايا أمتها … ولا سيما “سوريا” العربية … وهي على استعداد لأن تشارك متى كان الأمر … وفق عمل أممي … وخاصة أنها تدرك طبيعة الخطة الهائلة والموضوعه لتمزيق سوريا والتهامها ..
أما عن “التدخل الإسرائيلي” في هذه المرحلة فهو يقتصر على ما تكشف عنه الأحداث من عدم السماح لـ“إيران” لإقامة قواعد عسكرية على أراضي سورية .. ليكون ذلك مبررًا لدخول “سوريا” ..
على الرغم من أنني ومن خلال معرفتي ووقوفي على العلاقات السورية الإسرائيلية فمن الممكن أن تنقض “إسرائيل” على أجزاء أخرى من أراضي سوريا .. بمباركة “أمريكية” … وبرضا “روسي” … وبصمت “إيراني وتركي” … لذلك أتوجس خيفة أن تقف أمتنا العربية مكتوفة الأيدي إذا بلغ الأمر هذا الحد … وللأسف فقد استغلت “إسرائيل” الأحداث من حولها لصالحها بالضرورة فضربت عدة أماكن بـ “سوريا” أثناء كتابتي لهذا المقال … متوافقة مع القرار الأمريكي بالإنسحاب من “الإتفاق النووي” …
وعلى الرغم من موقفي الثابت من “إيران” والذي ظهر جليًا عبر كتاباتي المتعددة والذي يقوم بالضرورة على رفضي التام لهذه الأطماع التي لا حدود لها … والتي تنتهجها “إيران” سياسةً لها مع دولنا العربية … مما أربك المشهد العربي بأسره .. حيث سقطت على إثر هذه التدخلات دول عربية متعددة … وأخشى أن تلحقهم نتيجة هذه التدخلات “لبنان” …
فمع ذلك فإنني أرفض أن تسحب “أمريكا” “الإتفاق النووي” الذي أبرم منذ ثلاث سنوات بين “إيران” ودول «٥+١» … مهمًا كانت الأسباب التي أعلنتها !!!!!!!!!!!!…
وبالفعل وقع ما كنت أخشاه أثناء كتابة هذه السطور .. حيث بالفعل قامت “أمريكا” بالإنسحاب من “الإتفاق النووي” مع دولة “إيران”..
أمر في منتهى الخطورة .. الأحداث تتلاحق حتى أننا نلهث في تسجيلها .. الأحداث أسرع من تسجيلها والتعليق عليها !!!!!!!!!.. لكني لم أغير في سائر المقال حيث أنه كان مبني على افتراض الإنسحاب وتوقعه ..
المهم .. بالفعل إن معنى الإنسحاب يعني عدة وجوه … لعل أهمها هذا الإملاء الواضح من “إسرائيل” على “أمريكا” والضغط عليها … الذي تمثل في محاولة إثبات تجاوز “إيران” بنود الإتفاق … لذلك كانت الضربة التي وجهتها “إسرائيل” للقواعد الـ”إيرانية” في “سوريا” مع إعلان “ترامب” إنسحابه …ومن أسباب رفضي أيضًا أن “أمريكا” تكيل الأمور بمكيالين فهي تترك “إسرائيل” تعربد كما تشاء وتزيد كما تريد من مخزون الأسلحة النووية لديها .. بينما تعاقب “إيران” ودول أخرى من أجل إرضاء “إسرائيل” …
ومن الأسباب أيضًا أن هذا الانسحاب “الأمريكي” يخدم لا محالة “إسرائيل” ويزيد من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط .. ويفتح الباب أمامها على مصرعيه لدخولها “سوريا” … واحتلالها أجزاء أخرى منها …
ولعل زيارة “نيتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى “روسيا” اليوم ومحاولة الضغط على “بوتن” ليخرج من “موسكو” حاملًا تفويضًا بضرب القوات الإيرانية في “سوريا” من ناحية .. ومن ناحية أخرى محاولة إقصاء “بوتن” عن تأييده للإتفاق النووي مع “إيران” … وأظن أن “بوتن” لن يمنح “نيتنياهو” الضوء الأخضر لتفيذ ذلك …
ومن ذلك إن الإنسحاب له من المخاطر التي تفوق الاستمرار عليه … ففيه تهديد للشرق الأوسط … وإمكانية اندلاع حروب طاحنة بين دولها و”إيران” …
لقد راهنت “إيران” على تحقيق أطماعها على حساب أمتنا العربية وها هي ذا تخسر رهانها على حساب الأمة العربية والإسلامية أيضًا !!!!!!!!!!…
يبدو أن الوقت يمضي بسرعة شديدة ليصب في غير صالحنا … فمتى نستوعب الدرس ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!… ونفوق من تلك الغيبوبة التي كادت تنهي علينا جميعًا !!!!!!!!!!!!..