إلهام شرشر تكـــتب: شعبية «ترامب»… إلى أين ؟؟!!
النظام العالمى الجديد منح “الولايات المتحدة الأمريكة” مساحة جعلتها تحتل الصدارة والريادة بلا منازع .. مما أعطاها فرصة الاستحواذ على العالم والسيطرة عليه ..
لذلك أصبحت سياستها تُملى على كثير من البلدان والشعوب .. ثقافتها تُنقل بين هذه الشعوب بانسيابية وقبول .. حتى عرف الناس مصطلح “العولمة” .. والذى يشير معناه إلى حقيقة لا يختلف عليها الكثير وهى أن “أمريكا” أصبحت وجهة العالم الحديث .. يتجه إليها ويُؤتمر بأوامرها ..
وقد اقتضت طبيعة «الديمقراطية الأمريكية» ونظام الانتخابات بها أن تجرى انتخابات رئاسية كل أربع سنوات تتم فيها المنافسة بين الحزبين الرئيسيين بها وهما «الحزب الديمقراطى» و«الحزب الجمهورى»..
والحق أن الرؤساء السابقين لـ “الولايات المتحدة” بينهم تفاوت كبير فى الشخصية والثقافة والجذور .. إلا أنهم جميعًا اصطبغوا بصبغة واحدة وإن كانوا قد أخذوا مواقف متشابهة فى كثير من القضايا والمواقف .. حتى أسفرت الانتخابات السابقة عن اعتلاء الرئيس “الملياردير ترامب” .. الذى اختلف بشكل واضح عن سابقيه .. مما جعله محل نقد الكثير من الأشخاص الاعتباريين والمؤسسات الإعلامية وغيرها فى بلاده نتيجة لأسباب كثيرة ومتعددة .. عرضها يحتاج إلى تفصيل ..
ولكن ما نحب التأكيد عليه أن هناك مواقف عديدة اتخذ فيها الرئيس “ترامب” قرارات انفرد بها عن جميع سابقيه .. حيث أصبحت مدعاة للتساؤل .. بل وموضعًا للنقد على مستوى العالم الغربى والعربى على السواء ..
ولعل أهم هذه القرارات وأخطرها على الإطلاق التى خالف فيها “ترامب” الرؤساء السابقين نقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى “القدس الشريف” ..
صحيح أن “الكونجرس” قد اتخذ قرارًا بهذا الصدد من ربع قرن أو يزيد .. إلا أن الرؤساء السابقين امتنعوا عن تنفيذه لاعتبارات تتعلق بـ”الأمن القومى الأمريكى” .. إلا أن “ترامب” قد ضرب عرض الحائط كل النصائح التى تلقاها بخصوص قرار نقل السفارة التى اختاروا لها مواقيت تدل على أن الأمر متفق عليه سلفًا ..
الأمر الذى أثار حفيظة العالم أجمع .. ولعل صدى هذا القرار سينتهى بمعركة حتمًا لا يعلم أحد مداها إلا الله .. ولم تكن هذه هى المعركة الوحيدة التى أثارها “ترامب” بل هناك الكثير من المعارك على مستويات متعددة وأشكال مختلفة .. منها المعارك التجارية والأخلاقية ..
ومن أمثلة المعارك التجارية .. هذا الموقف الأمريكى الذى اتخذه “ترامب” من مجموعة “السبع” والذى رفض فيه البيان الختامى نتيجة للصدام المباشر على المستوى الإنسانى بينه وبين رئيس وزراء “كندا” .. فضلًا على أن قرار فرض الضرائب على الحديد الأمريكى وغيره .. قد دفع الاتحاد الأوروبى وغيره من الدول كـ”الصين” بفرض رسومًا إضافية على المنتجات التى تأتى من “أمريكا” .. والذى توعد بها شخصيةً مسؤولة فى الاتحاد الأوروبى ..
الأمر الذى عنونه الكثير بـ « ترامب يخسر حلفاؤه فى ساعات» .. ويبدو أن السياسة التى انتهجها “ترامب” فيما يعرف بـ “الحرب التجارية” قد بدأت تظهر نتائجها السلبية .. بدليل أن شركة “هارلى ديفيدسون” الشهيرة بتصنيع الدراجات النارية بـ”أمريكا” قد قامت بنقل جزء من إنتاجها إلى الاتحاد الأوروبى نتيجة الرسوم التى فرضتها “أمريكا” .. مما أزعج الرئيس “ترامب” فعلق بتغريدة على “تويتر” كعادته قائلًا: «لقد ناضلت كثيرًا من أجلهم، وفى النهاية لا يريدون أن يدفعوا رسومًا على مبيعاتهم فى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذى سبب لنا أضرارًا كبيرة فى التجارة تقدر بـ ١٥١ مليار دولار» ..
وعلى ذلك تراجع الرئيس “ترامب” فى قراره .. نتيجة هذه الخسائر السياسية والاقتصادية التى مُنيت بها “أمريكا” نتيجة لموقفه ..
فها هو “ترامب” يرجع إلى الخلف .. طارقًا أبواب “بكين” بعد خسارته الفادحة فى «حرب الجمارك» .. فبعد شهر من تصعيد “الولايات المتحدة الأمريكية” من الإجراءات التجارية ضد الشركات والمنتجات الصينية وفرض رسوم والضرائب الجديدة على البضائع فى محاولة من الجانب الأمريكى لسد العجز فى الميزان التجارى بين البلدين.
خرج “ترامب” متراجعًا عن كل التهديدات مؤكدًا أنه سيكون قادرًا على حل مشكلة النزاعات التجارية مع الصين ..
ومن هذه القرارات محل الجدل والخلاف والتى أثارت العالم أجمع على الرئيس “ترامب” موقفه من أبناء دول بعينها ومنعهم من دخول “أمريكا” .. مما وجه إليه تهمة “العنصرية” على اعتبار أن أبناء هذه الدول كلهم من المسلمين ..
وإذا كانت المحاكم فى الولايات المتحدة قد أصدرت قرارات فى بداية الأمر بمخالفة هذا القرار للقانون الأمريكى فقد أيدت “المحكمة العليا” حظر السفر الذى أصدره على عدد من البلدان .. والذى رآه “ترامب” انتصارًا لسياسته ..
وفى الحقيقة أن هذا الحكم انكسارًا إنسانيًا على أعلى مستوى لأنه أعطى الحق فى التمييز بين البشر على أساس دينى وقومى ..
وبكل أسف لم تنته معارك “ترامب” على المستوى الإنسانى .. حيث أنه قد أصدر قرارًا خطيرًا مؤسفًا مؤخرًا يندى له جبين الإنسانية وذلك بفصل الأطفال عن عائلاتهم المهاجرة .. مؤكدًا بهذا القرار أنه الخيار الوحيد لمحاربة الهجرة غير الشرعية بشكل فعَّال .. معللًا قراره بأنه لا يريد أن يتدفق الناس إلى بلادنا “أمريكا” نريدهم أن يأتوا من خلال عملية قانونية ..
إلا أن هذا القرار قد زاد من التأثير السلبى على شعبية الرئيس “ترامب” فى “أمريكا” .. حيث أنها تعرضت لضربة أشد هذه المرة نتيجة لقرار الفصل تضاف إلى ضربات كثيرة متعددة سابقة لم يعتد عليها الشعب الأمريكى بهذه الصورة المؤلمة .. كما جاء فى مجلة “نيوز ويك” .. فضلًا عن التأثير على قيمة ومكانة “الولايات المتحدة الأمريكية” التى تكونت فى الأساس من مجموعة من المهاجرين .. فأنَّا لها اليوم أن تتضرر وتقف بالمرصاد لكل من يحاول أن يلجأ إليها وهى دولة أصولها من المهجرين والمهاجرين ؟؟؟؟؟!!!!!!!!..
هذا السؤال يحتاج إلى إجابة .. خاصة وحين يسطره التاريخ الذى لم ينس ما كان من أصل تكوين “الولايات المتحدة” وما كانت عليه وما يحفره اليوم من هذا التناقض والتشدد بالمخالفة لكافة القوانين الدولية والأعراف الإنسانية بما يدعو إلى فتح ملف الهجرة ونشأت “الولايات المتحدة الأمريكية” من أصله وطرد خلف أسلافها جذورها الآن ..
ومن اللافت للنظر أن الكثيرين ممن يعملون معه الآن قد تركوه .. فى سابقة لم تشهدها “أمريكا” من قبل .. أن أكثر من ٦٩ مسؤولًا رفيع المستوى وموظفًا كبيرًا فى “البيت الأبيض” قد استقالوا أو أُقيلوا .. وذلك لعدم رضاهم على كثير من قرارات الرئيس “ترامب” .. واختلافهم الشديد معه..
ولعل من أواخر هؤلاء “جوهايفين” الذى قدم استقالته من منصب مساعد كبير موظفى “البيت الأبيض” بعد أسبوع من “القمة التاريخية” التى جمعت بين “ترامب وكيم” فى “سنغافورة” والذى أدى دورًا سياسيًا ملحوظًا وكبيرًا فى تنظيمها ..
وتستمر سلسلة القرارات التى جانبها الصواب من إدارة الرئيس “ترامب” .. هذا بالإضافة إلى تميزها بالتخبط الذى لم يعرف من قبل عن الإدارة الأمريكية نتيجة عدم دراستها بصورة متأنية ..
ولعل أكبر دليل على ذلك .. هذه المفاجأة الكبرى التى كان يتغنى بها “ترامب” وينتظر الفرصة للإعلان عنها والممثلة فيما يعرف بصفقة القرن التى شابها الكثير من الغموض وعدم الوضوح .. فضلًا عن التجنى على حقوق الآخرين ..
فبعد ما يزيد عن عام ونصف عام من الإعداد والتحضير الذى قام به طاقم “المفاوضات الأمريكية للسلام” بقيادة “جاريد كوشنر” صهر الرئيس الأمريكى “ترامب” و”حيسون غرينبلات” المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط .. فقد ذكرت صحيفة إسرائيلية وهى “يسرائيل هايوم” “العبرية” «أن طاقم المفاوضات الأمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد خفض من مستوى توقعاته حول نجاح تلك الصفقة» .. علمًا بأن معظم الإسرائيليين متشائمون من “صفقة القرن” ولا يؤمنون بنجاحها لإنهاء حالة “النزاع الإسرائيلى الفلسطيني” ..
فإذا كانت هذه الصفقة التى كان يتغنى بها “ترامب” ويحسبها الحل السحرى للصراع الأبدى بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد انخفض مستوى فرص نجاحها على هذا النحو .. فإنه يدل لا شك على أن رؤية “ترامب” للعلاقة “الفلسطينية الإسرائيلية” يشوبها الكثير من الأخطاء الجوهرية .. ويكسوها التعصب الأعمى للإسرائيليين دون أى اعتبار للوجود الفلسطينى ..
لذلك كانت فرص نجاحها معدومة .. لا لمجرد رفض الفلسطينيين لها .. ولا لمجرد الوضع الداخلى الإسرائيلى .. ولا لمجرد عدم وجود “راع إقليمى” يوافق عليها ويدعمها .. وإنما يأتى سبب إخفاقها لأنها تجنح عن الصواب .. وتبتعد عن الواقع .. ولا تعتبر بالتاريخ .. ومهما حاولوا من تعديلها أو الإضافة عليها .. فلن يصلوا إلى صيغة من خلالها تلقى القبول الفلسطينى والعربى فضلًا عن الإسلامى ..
لذلك صرح سيناتور جمهورى “جيف فليك” بـ« أن الرئيس “ترامب” سيخسر الانتخابات الرئاسية المقبلة حال ترشحه مرة أخرى، وإذا استمر على النهج الذى يسير عليه فإن عددًا كبيرًا من الناخبين سيبحثون عن مرشح آخر» ..
ويبدو أن هناك معارضات كثيرة تجاه مثل هذه القرارات من “الشعب الأمريكى” نفسه .. لذلك بدأت جموع من “الشعب الأمريكى” بعمل مظاهرات أو الدعوى لها لرفضها الكثير من قراراته .. ولعل قراره الأخير الذى أشرنا إليه سابقًا بخصوص نزع أبناء المهاجرين من ذويهم قد أثار حفيظة فئات كثيرة من الشعب الأمريكى .. فضلًا عن العالم ..
بل إن بعضًا من المحللين يتنبأون بحرب مدمرة يقودها “ترامب” ويستنبطونها من مؤشرات بعينها فقد أوردت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن «الرئيس “ترامب” يبدو وكأنه يعد إدارته لخوض حرب، وذلك أنه تخلص من الأصوات التى تعارض تلك الرغبة السيئة، وأنها ستكون حربًا خاطفة سريعة لتحقيق مكاسب سريعة فى مواجهة قصيرة ..
وقد أخذوا من خطابات المسؤولين عبارات تؤكد ما ينتوى “ترامب” القيام به كجملة «الخطوط الحمراء، ونقطة العودة، والوقت ينفذ، يجب التحرك قبل فوات الأوان .. إلى غير ذلك من عبارات» ..
ومن هنا تزداد المخاوف العالمية يومًا بعد يوم على كافة المستويات ومختلف الساحات من الحروب «التدميرية - التجارية - الأخلاقية - الإنسانية» .. التى يقودها “ترامب” ..