رسالة من المستشرق «براون» إلى الإمام محمد عبده
نستمر فى نشر سلسلة الوثائق والمخطوطات النادرة، التى حصلت عليها "الزمان" الخاصة بالتاريخ العريق للأزهر الشريف، الذى يُعد كعبة العلوم فى العالم العربى والإسلامى، ننشر خطابًا أرسله المستشرق البريطانى إدوارد براون إلى فضيلة الإمام الأكبر المجدد الراحل الشيخ محمد عبده، الذى قضى على الجمود الفكرى والحضارى وعمل على إعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر، والذى له الفضل الكبير على استقلالية دار الإفتاء.
ولأن المستشرق عندما ينشغل بتراث الإسلام يخرج لنا من حقائبه ما نعجز نحن عن استخراجه، أرسل المستشرق البريطانى براون، خطابًا إلى الإمام محمد عبده، يطرح عليه إرسال طلاب من جنسيات غربية مختلفة لتحصيل العلم فى كعبة العلوم المصرية "الأزهر" وليخدموا أهل مصر خدمة جيدة وعلى أن يتعلموا محاسن اللغة العربية الشريفة، ليصبح هذا الخطاب سببًا فى انفتاح الأزهر على العالم الغربى واستقبال الوافدين غير الناطقين بالعربية، للتعلم فى قبلة العلوم العربية والإسلامية.
ويأتى نص الخطاب المرسل بعنوان "رسالة من المستشرق "براون " إلى الإمام" فى 27 ذى القعدة سنة 1331 هـ أستاذنا الأكبر الشيخ العلامة المفضل الشيخ محمد عبده، مفتى الديار المصرية بعد أداء مراسم الحمد والثناء وإظهار مراتب إخلاصى واحترامى لحضراتكم السامية أشكركم على تشريفكم إياى بالكتاب الذى أحسن الأحوال وكذا الشيخ حسن توفيق الذى ما زال يصحبنى منذ أربعة شهور ونصف وقد بلغ عدد طلابنا الذين يشتغلون بتحصيل اللغة العربية الشريفة العشرين أو يناهز وقد ترقوا كثيرًا أن يبلغوا بعد وصوله إلى مصر درجة فى العلم والعمل فوق درجتى وأن يخدموا أهل مصر خدمة جيدة وأن يعملوا على ثنى محاسن العرب وشرف لسانهم".
بهذه الكلمات الجميلة خاطب "براون" الإمام محمد عبده، الذى نال شهرة واسعة فى الدراسات الشرقية، وكان يجيد التحدث بالفارسية والعربية، والذى عين أستاذًا لهما قى جامعة كيمبردج، لم يكتف "براون" بذلك بل درس علم الطب وسافر إلى إسطنبول وعين أستاذا فيها، ويصنف كتاب "التاريخ الأدبى لفارس" من أهم المؤلفات التى دونت فى هذا الفن، وكان له أيضًا كتاب "الطب عند العرب"، الذى يدرس فى الجامعات الأوروبية وتجرى على إثره أبحاث كثيرة تثبت لنا أن العرب والمسلمين سبقوا الأوروبيين فى هذا المجال منذ قرون مضت.
ويشيد الدكتور عبدالواحد النبوى، مدير الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية الأسبق، بالدور الذى تقوم به "الزمان" فى نشر الوثائق بطريقة متصلة، مشيرًا إلى أن مصر تحتل المركز الثانى من حيث هيكلة دار للوثائق، الذى يأتى تصنيفه بعد الأرشيف الفرنسى الذى أسس عام 1898م، ليأتى الأرشيف المصرى الذى أسس فى 1928م، سابقا ظهور الأرشيف البريطانى الذى أسس 1938م، لذلك يوجد على طاولة البرلمان قانونًا عن هيكلة دار الوثائق وإسنادها كجهة سيادية لتماثل مجلس الوزراء، ويطرح القانون على أن يكون الأرشيف المصرى مستقلا وله السلطة الخاصة به والذى يعد من القوانين المكملة للدستور.