مرصد الأزهر يحذر من خطورة أوضاع اللاجئين في ظل تفشي كورونا
اللاجئون مجدّدًا؛ أزمة خطيرة وملموسة، وتزداد خطورتها عند التحامها مع أزمات أخرى كتقلبات الطقس، ونقص الغذاء والمستلزمات الضرورية للحياة، ونقص الرعاية الطبية وغيرها. ولنا أن نتخيل كم تحصد أزماتٌ مُرَكَّبةٌ كهذه من جهود وأموال لتلافي عواقبها ومعالجتها وسط تراكمات أخرى، وظروف غير مواتية لتوفير حياة كريمة لهؤلاء البشر، الذين جاءوا من أنحاء كثيرة منكوبة بالحروب والنزاعات أو بالمجاعات والكوارث.
على أنَّ ما سبق منطقيٌّ في الظروف الطبيعية، وإن كان غير آدمي في جملته؛ بيد أن لمسة حانية على كف طفل لاجيء، أو شاحنة محملة بمعونة غذائية أو طبية كانت كفيلة بأن تصنع بسمة على شفاه الكثيرين من ساكني هذه المخيمات. لكن الوضع الكارثي الذي يعيشه العالم الآن يقلب موازين كثيرةً لم يكن انقلابها في الحسبان، ونعني بذلك تفشي فيروس كورورنا المستجد (كوفيد 19)، واجتياحه لعشرات الدول بسرعة كبيرة، جعلت منه كابوسًا حقيقيًا يهدد البشرية بأسرها.
وقد باتت ظروف الحياة في مخيمات اللاجئين خطرًا يُهدِّد حياتهم جميعًا دون استثناء لأحد؛ خصوصًا مع تفشي هذا الوباء، وسهولة انتشاره وحصده لآلاف من الأرواح في وقت قصير، وسط تحذيرات شديدة وصارمة لزعماء ومسئولين رفيعي المستوى في دول كثيرة من أنه سيحصد المزيد، في تصريحات اتسمت –أحيانًا- بالإحباط ورفع الراية البيضاء أمام هذا الوباء المميت، وما اتُّخِذ من إجراءات احترازية غير مسبوقة في جميع الدول.
ويحضرنا في هذا المقام تحذير الاتحاد الدولي لـلمنظمات الخيرية، ومنها على سبيل المثال منظمة "أوكسفام"، وهي إحدى أكبر المنظمات الخيرية الدولية المستقلة في مجالي الإغاثة والتنمية، وكذلك "المجلس اليوناني للاجئين"، في تقرير له، وفق ما نشرته صحيفة "البيريوديكو" الإسبانية في 18 مارس 2020، من ظهور فيروس كورونا في مخيمات اللاجئين في اليونان؛ وهو أمر منطقي، بل ومتوقّع بشكل كبير، في ظل تدني الظروف المعيشية التي أشرنا إليها آنفًا، وضعف العناية الطبية أو بالأحرى انعدامها بالكلية.
ووفقًا لما هو معلوم، لا تكمن المشكلة في ظهور الفيروس فحسب، بل في انتشاره الذي سيكون سريعًا إلى حد مخيف. وتأكيدًا على ذلك فقد حذّر الاتحاد من أن مخيمات اللاجئين في اليونان قد تتحول في وقت قريب إلى أسوأ كارثة إنسانية عرفتها أوروبا في تاريخها، خاصة بعد تدهور الأوضاع هناك خلال الأيام الأخيرة بسبب ارتفاع معدلات الهجرة.
وقد ذكر الاتحاد في الوقت نفسه أن أعداد اللاجئين في المخيمات الخمسة الموجودة في جزر بحر إيجه اليونانية ارتفعت بمقدار ستة أضعاف عن العدد المتفق عليه منذ أربع سنوات، وهو ما نرى أنه يزيد الأوضاع سوءًا بشكل كبير. ويمكننا بمعادلة بسيطة أن ندرك حجم الكارثة المتوقعة فإن هذا الوباء العالمي انتشر في ظروف قد تكون ممتازة من العناية الطبية والظروف الجوية والاقتصادية، فكيف به في ظروف المخيمات والمرض وانعدام الموارد بأنواعها.
وهذا ليس افتراضًا بل حقيقة واقعة، فإن كلتا المنظمتين غير الحكوميتين قد أكدتا على أن أوضاع اللاجئين في مركز الاستقبال في "موريا"، التابعة لجزيرة ليسبوس اليونانية "غير إنسانية تمامًا"، وأنهم يعانون من ظروف معيشية سيئة، ويفتقرون إلى الرعاية الطبية، كما شددتا على أن ترك اللاجئين محاصرين في هذه الظروف غير الصحية وغير الآمنة لا يُعَدُّ فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، ولكنه من الممكن أن يؤدي إلى أزمة صحية مدمرة حال وصول فيروس كورونا المستجد إلى المخيمات التي يقيمون فيها.
إن احتواء أزمة اللاجئين احتواءً حقيقيًا على أرض الواقع - وليس بالشعارات والقرارات وتسليط الأضواء الإعلامية - بات مسألة مصيرية الآن قبل الغد، مع كل ما لدى العالم من معطيات لا تدع مجالًا للتأخير أو التردد حول الأمر، حفاظًا على أرواحهم ومنعًا لتفشي الوباء.
إن مرصد الأزهر، الذي يتابع ملف أزمة اللاجئين منذ سنوات وهو إحدى القضايا التي يعمل عليها مرصد الأزهر، ليتابع بقلق واهتمام تلك الأوضاع الحالية الخطيرة التي يعانيها اللاجئون، ويستشعر خطرًا بالغًا حيال تلك الأوضاع. وقد آن الوقت لتحرك سريع قد يمنع كارثة محقّقة تفتك بأرواح الآلاف وتوَلِّد أزمات متلاحقة لا قبل للعالم بها على المدى القصير. ومن المؤكد أن ما طرحناه هنا لا يغيب عن خاطر الكثير من الدول التي ربما شغلتها أزمة الوباء عن أية مبادرة على هذه الجبهة أو غيرها.