بقلوب ”مؤمنة” أطباء يحاربون الوباء فى الصفوف الأولى
«أبطال الجيش الأبيض»: نثمن جهود الحكومة ونحتاج لمزيد من الدعم..
وعناق أطفالنا أشد ما يوجعنا.. ونظرة الجيران كلها احترام وتقدير
"بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبأقصى درجات الحيطة والحظر".. يعمل أصحاب الرداء الأبيض فى مستشفيات الدولة "عامة وخاصة وجامعية"، حتى أطلق عليهم رواد مواقع التواصل الاجتماعى، لقب "الجيش الأبيض"، فى إشارة إلى الدور الوطنى الذى يلعبه الأطباء والتمريض، حتى أصيب بعضهم وتوفى آخرون، مما دفع مواطنين للمطالبة بالتعامل مع ضحايا فيروس "كورونا" من الأطباء معاملة الشهداء، مثل أقرانهم بالقوات المسلحة.
وهناك حكايات لأطباء لم يتراجعوا عن نداء الواجب، رغم المخاطر التى تحيط بهم من كل جانب، وكانت البداية مع الطبيب "أ. ج" صاحب الثلاثة وأربعون عاما، ولديه من الأولاد أربعة، يقول لـ"الزمان": "إن أصعب لحظة تمر عند عودتى من العمل بالمستشفى الحكومى إلى المنزل، وعدم قدرتى على عناق أطفالى، واضطرارى إلى الجلوس فى غرفة منعزلة عن الشقة، واستخدام مرحاض مخصص لى فقط، وتناول الطعام فى أطباق مخصصة لى وحدى، ورؤية أبنائى والحديث إليهم عبر الهاتف ونحن داخل شقة واحدة".
وأضاف، أن الخوف من المرض ليس أن يصيبك، ولكن أن يصيب أغلى إنسان لديك وهو ابنك، ويكون السبب أنت بحكم عملك، وعزاؤنا الوحيد هو حماية الوطن وأبنائه، وهذه طبيعة عملنا، وفيما يتعلق بالإمكانات المتوفرة لدينا داخل المستشفيات، فعلى الرغم من أنها قليلة بعض الشىء، ولكن كافية شرط وجود فن التعامل لدى الأطقم الطبية المعاونة فى التعامل مع الحالات بالعيادات الخارجية، وذلك لسرعة التعامل مع الحالات المشتبه فى إصابتها بفيروس كورونا، وعدم بث أى شائعات حول حالات أخرى مصابة بنزلات برد عادية، وبالتالى إصابة سكان المنطقة القريبة من الحالة بفزع ورعب دون داعٍ.
وأكمل حديثه: "أغلقت العيادة الخاصة بى وتفرغت للعمل بالمستشفى فقط، مع تخصيص وقت للرد على الحالات الطارئة عبر الفيس بوك والتليفون، ومنح كافة الاستشارات الطبية اللازمة، لأن هذا الوقت يحتاج لتضافر الجميع، وأتمنى من الدولة تخصيص جائزة للمشاركين فى مكافحة المرض من أطقم تمريض وأطباء على سبيل الدعم المعنوى، ولكن مطاردة منشورات البعض منا ومحاولة الوقيعة بيننا وبين الدولة، بدافع أننا نهاجم نقص الإمكانات، لن يفيد الوطن والمواطن فى شىء".
رواية أخرى، للطبيبة "ش. ر"، قائلة: "إن بعد وفاة والد الطبيب ورفض الأهالى دفن الحالة، أصبت بحالة نفسية سيئة للغاية، وكنت أتمنى أن يعامل معاملة أفضل من ذلك، فهذا الطبيب خسر والده بعد أن نقل إليه العدوى، أثناء عمله فى إنقاذ أرواح الملايين، مثله مثل الجندى الواقف على الحدود يدافع عن الأرض، وكنت أتمنى تبنى حملة توعية لدعم المرضى بفيروس كورونا نفسيًا، ونبذ الصورة الدونية بشأنهم، فأنت لم تصب حتى الآن لأنها إرادة الله، وغيرك أصيب لأن هذا قضاء وقدر مثل الموت، وفى النهاية لن يموت كل شخص مصاب بالفيروس.
وتابعت، أقيم فى المستشفى بشكل كامل منذ أسبوعين، ولم أذهب لرؤية أطفالى وزوجى؛ خوفًا على حياتهم من الإصابة بأى مكروه، وإذا ما حدث- لا قدر الله- لن أسامح نفسى طوال حياتى، وهو الحال مع كثير من زملائى، وأتمنى مزيدا من الدعم من جانب الحكومة ووزارة الصحة، ودعم أسر الأطباء الذين هجروا منازلهم دفاعًا عن المواطنين من تفشى الفيروس، لا أن يتم حرمانهم من دفن أقاربهم، مثلما حدث مع الطبيب فى دفن والده".
ويلتقط "م. ك"، طرف الحديث، ويعمل طبيبا بواحدة من مستشفيات الحميات بالمنوفية، قائلاً: "تعاملت مع حالات مصابة بفيروس كورونا ولم أصب بسوء، حيث اتبعت كل درجات الحيطة والحظر، وكنت أرتدى البدلة الواقية أثناء توقيع الكشف على بعض الحالات التى أتت إلينا الفترة الماضية، وقد رأيت فى عيون جيرانى نظرة احترام وتقدير، وكأنى جندى عائد من الجبهة، لدرجة أنه وأثناء غيابى بالأيام عن المنزل، يأتى الجيران للسؤال عن والدتى ووالدى المسنين، ويحضرون لهما كافة الطلبات من الشارع، سواء طعام أو دواء، ويتواصلون معى باستمرار للاطمئنان على صحتى.
ولفت إلى أن أقصى ما يحتاجه الطبيب الآن، هو الدعم المعنوى ليس أكثر، وأتمنى نبذ أى صورة من صور التنمر ضد الطبيب وأفراد عائلته، والتعامل بنفس الطريقة التى يعاملنى بها جيرانى، وللعلم الطبيب المصاب بفيروس كورونا، مثل الجندى الذى استشهد فى المعركة، وكلاهما يدافع عن أبناء الوطن".