الكاتبة إلهام شرشر تكتب: خير البرية.. نوّر البشرية
ما إن يهل علينا شهر ربيع الأنور، إلا ويفوح عبير سيرة النبي الأعطر، على كل لسانٍ مُزْهِر، فرحًا بذكرى صاحب الحب الأسمى والعشق الأكبر صلى الله عليه وسلم..
عبيرٌ نستعيد به عبق هذه السيرة العطرة التي تجلّى الله على صاحبها، إذ وجده يتيمًا فآواه، وضالًا فهداه، ووجده عائلًا فأغناه...
إننا أمام الرحمة التي أودعها الله في الكون، إذ بعث حبيبه رحمةً مهداة، ونعمةً مُسداة.... أمام من أعلى الله قدره وزكّاه، وأتم نعمته عليه فأدّبه وربّاه، وحفظه ورعاه......
سامحوني لأنني لا أستطيع أن أُخمد أشواقي حين تنبض بالحنين إليه، ولا أستطيع أن أكفكف دموعي حين أشرع في الكلام عليه.
سامحوني لأنني لا أستطيع أن أكبح جماح روحي التي اعتادت أن تفارقني وتحلق بعيدًا لترسل السلام عليه....
فنحن نتحدث عن سيد الخلق وحبيب الحق، نتحدث عمن ليس كمثله أحدٌ من خلق الله
فوالله ما خلق الإله ولا برى......... بشرًا يُرى كمحمدٍ بين الورى.
نتحدث عمن جاء للدنيا فانقشعت الظلمات... نتحدث عمن إذ وُصِف فاضت العبرات... نتحدث عمن إذا ذُكر وجبت الصلوات.... نتحدث عمن جاءت بمولده البشارات، وحلّت بحلول أنفاسه البركات....
أضاءت الأرض نورا يوم مولده .. فأصبح الكون من أنفاسه عطرا .
إننا نتحدث عمن فرحت بمولده الأزمان، وتعطرت بعبيره الأكوان... نتحدث عمن خلّد الله ذكره في كل صلاةٍ وعلى كل لسان.
كم أشتاق إليك يا سيد الخلق؟؟!
كم أستاق إليك يا حبيب الحق؟!!!
كم أشتاق يا رسول السلام؟!!!
كم أحن إليك يا سيد الرسل الكرام؟!!!
أتوجع كلما ذكرت أنني لم أراك... أذوب عشقًا كلما حلّت ذكراك.... صراخٌ بداخلي يحن، وعبارات على خدي تئن، حتى صار لسان حالي يمتثل قول القائل:
تأبى جراحي أن تضم شفاهها........ كأن جرح الحب لا يتخثّرُ
أحبك لا تفسير عندي لصبوتي... أفسر ماذا والهوى لا يُفسّرُ
تأخّرت يا أعلى الرجال فليلُنا... طويلٌ وأضواء القناديل تسهرُ
إنني أعجب من هؤلاء الذين تمتلئ قلوبهم حقدًا وكراهية كلما ارتفعت الأصوات وعلت النبرات وتعالت الصيحات فرحًا بذكرى سيد السادات في شهر مولده المبارك .....
أعجب وأتعجب، لأن من الثوابت الراسخة أن توضيح الواضحات من المشكلات، ولا يختلف اثنان على أن اختيار رسول الله منّا وبعث رسول الله فينا أعظم المنن وأكبر النعم، لأن الله سبق الجميع في الإقرار بذلك حين قال في سورة آل عمران (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)
ومعلومٌ أن المنن والنعم تستوجب الشكر لله..... ووالله ثم الله، ما في الأرض منةٌ أعظم ولا أكبر ولا أفخر ولا أزهر من بعث رسول الله فينا حتى نفرح بها ونشكر الله عليها، إذ لولا من الله علينا ما بُعث رسول الله إلينا.
ودعونا نتسائل: لم لا يكون منة، وهو الذي هدى الله به البرية وعمّت أنواره البشرية، وكان لأمته أعظم نعمة وأسمى هدية؟!!!
لم لا يكون منة، وهو الذي جمع العظمة من أطرافها؟!!
حُقّ لنا أن نفرح بخروج هذا النور إلى الدنيا، طالما أن الفرح به لم يقترن بعصيان يستوجب غضب الرحمن.
لكن ونحن نفرح علينا أن نُفرحه - صلى الله عليه وسلم- وذلك بتذكير بعضنا بسيرته وتعرضنا لجوانب العظمة في شخصيته، ولا أعني هنا العظمة التي قصدها الغرب حين وضعوه في قائمةٍ تضم مائةً من البشر وسموها (العظماء المائة) ظنًا منهم أنهم أحسنوا به صنعًا حين ذكروه في تلك القائمة.
فلم تكن عبقريته -صلى الله عليه وسلم- كعبقريه بشر، ولم تكن عظمته كعظمه بشر، بل تعالت عظمته على كل عظمه، وتعالت بشريته عن البشريه، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ).
ومن الآية يُفهم أنه لا ينبغي الوقوف عند حد بشريته صلى الله عليه وسلم، فمن وقف عند حد البشرية -دون أن ينظر إليه نظرة الوحي والرسالة- حُرم الخير كله، ولهذا قال بعض العارفين: من رأى رسول الله حُرّمت عليه النار.
فلما اعترضه سائل: كيف يُحرّم على النار كل من رأى النبي؟ رغم أن أبا جهلٍ رآه؟!!!!!!!!!!!
فكانت إجابته إن أبا جهل لم ير رسول الله، وإنما رأى يتيم أبي طالب.
إذًا رسول الله لا يُقارن ببشرٍ على الرغم من بشريته، ولا يُقارن بعظيمٍ من الخلق رغم عظمته، فرحمته بالناس ليست كبقية البشر، ونفعه للخلق ليس كنفع أحدٍ من الناس، وكماله -صلى الله عليه وآله- ليس يبلغه أحدٌ بعده.
ولله در الإمام البوصيري
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرفٍ.. .
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فان فضل رسولِ الله ليس له...
حدٌّ، فيعرب عنه ناطقٌ بفمي
لا أقول هذا من باب التعصب له - وإن كان هذا شرفٌ لي- إذ كيف التزم الحياد وأنا اتحدث عن الكامل المكمل.
كيف لا أتعصب له وأنا أرى شرذمةً يضعونه دون قدره ويحسبون أن الأمر عندنا هين.
لا، وألف لا..... فالأمر بتعظيمه كان قبل أن نكون، والأمر بتوقيره صادر ممن يقول للشيء كن فيكون، إذ قال تعالى (لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (سورة الفتح: 9)
صلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله يا عظيم القدر والجاه.
وحتى نُبرهن أن عظمته تعالت على كل عظمة بلغها البشر، تعالوا معًا نسبح في شاطئ شخصيته، لأننا لا نستطيع الغوص في أعماقها البعيدة، لنجد أن لكل عظيم جانب تقاس من خلاله عظمته، أما رسول الله فعظمته تقاس من كل الجوانب، لأنه استطاع أن يجمع كل أسباب العظمة.
ولأن المقام لا يسمح بمزيدٍ من الكلمات، فدعونا نذكر جانبًا من جوانب عظمته، ألا وهو انتصاره –صلى الله عليه وسلم- على شهوة الغنى والجاه، وكلنا يعلم أن قريشًا عرضت عليه ما شاء من أموال إن أراد الغنى، وعرضت عليه الإمارة والسلطان إن أراد الجاه، ولم يتركوا شيئًا تميل النفس إليه إلا وبذلوه له ليترك دعوته، فأبى رسول الله.
بالله عليك.. من ذا الذي يُعرض عليه المال والجاه فيأبى؟!!!!!!!
إن قريشًا -بلُغَتِنا- كانت كالفانوس السحري، من ذا الذي يُعرض عليه أن يطلب ما شاء من أمور الدنيا فيأبى؟!!!!!!
صلوات الله وسلامه عليك يا حبيبي حتى يأذن الله باللقاء، صلوات الله وسلامه عليك يا من روحي لك فداء، صلوات الله وسلامه عليك يا صاحب الحوض واللواء.
سلام الله يسري عليك يا من أسرت روحي وسلبت عقلي وملكت فؤادي... حتى ألقاك على الحوض فأشرب من يديك وأرتوي، وأنظر إلى ثغرك البسام فأرى شمسي..
عزيزي القارئ، منك أعتذر إن كانت مقالتي قد انتهت وأنا ما زلت أقدّم للحديث عن عظمة شخصيته، فهذا رسول الله... على أمل أن نستكمل ونتناول طرفًا آخر من أطراف عظمة شخصيته صلى الله عليه وسلم في العدد القادم إن قدّر الله البقاء واللقاء.