ترامب .. تصويبا لا تصويتا !!!..
بعد معركة انتخابية حامية.. ومناظرات دامية.. واتهامات لا حصر لها.. تربع «ترامب» على كرسى الرئاسة الأمريكية.. والذى كان دافعا لإثارة أسئلة كثيرة.. واستفهامات عديدة.. أثناء حملته الانتخابية...
حقا لقد قضى العالم شهور طوال يتابع عن كثب ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية؟؟!!!... وبفضل الميديا والإعلام المضلل«غالبا»... الذى خدع إلى حد كبير الشعب الأمريكي.. اتجهت الأنظار إلى «هيلارى كلينتون»!!!!... وأدرك العالم أنها لا محالة هى الفائزة!!!!... كيف لا ؟؟!!!... وبمقارنة بسيطة وعابرة بين المتنافسين... بالتأكيد ترجح كفتها لأسباب منطقية تارة... وسياسية تارة أخرى... ولعل منها:
- الخبرة النوعية فى استيعاب السياسة الأمريكية.. وخاصة الخارجية منها.. فلقد قضت «كلينتون» سنوات كوزيرة للخارجية الأمريكية .. وكمرشحة للرئاسة.. فضلا عن وضعها المتميز وتأثيرها باعتبارها عضو الكونجرس الأمريكى لسنوات طوال...
-الشخصية الإنسانية.. فهى تتمتع بالهدوء والحنكة... وتتسم بقبول واسع.. وخاصة فى أشهر المدن الأمريكية وأكثرها قربا من العاصمة...
- ومنها ما حظيت به من تأييد مطلق من قبل الرئاسة الأمريكية المنقضية.. فلكم وقف أوباما ومن بعده زوجته.. يساعدها .. يساندها .. يدعمها.. بل ويهاجم خصومها.. فى كل مناسبة وفى غير مناسبة...
- ومنها ما يتعلق بترامب نفسه المنافس الذى أثار حفيظة الكثيرين.. ووسع فى دوائر الخصوم... بمهاجمته للمسلمين تارة.. وللأمريكين من غير أصول أمريكية تارة أخرى.. أو بتهديده بطرد المهاجرين لأمريكا.. أو معارضته أى لجوء للسوريين فى أمريكا.. فضلا عن طبيعة شخصيته التى تتسم كما قيل بأنه رجل غير «متسق».. ولا يمكن توقع ردود أفعاله.. فضلا عن جهله وعدم كفاءته..
-كما أنه يتصرف بنزق.. ولا يتمتع بضبط النفس.. ولا هو قادر على تقبل الانتقادات الشخصية.. ومع ذلك تمكن من حسم المعركة الانتخابية لصالحه...
وعلى الرغم من كل الاتهامات أو الانتقادات أو التصورات أو الرؤى سواء لشخصه أو لاتجاهاته أو لسلوكياته... فلقد مَّثل فوز ترامب صدمة للكثيرين من داخل أمريكا ومن خارجها.. بل وخيَّم الحزن على عاصمة أمريكا لفوزه... بل تناقلت الأنباء عن اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين فى «نيويورك»... كل ذلك بدافع أنه يمثل خطرا على السياسة الأمريكية بل على العالم أجمع...
إذا كان رفضهم لـ«كلينتون» رفضا لمواقفها وسياساتها الخارجية تجاه العرب والمسلمين .. وخاصة الشرق الأوسط... لذلك يستوقفنى أنهم وافقوا على «ترامب» الذى خرج وزاد على تصريحات «كلينتون».. بتصريحات نارية .. على العموم ننتظر الأيام التى سوف تؤكدها سياسته من عدمه...
وتوالت التصريحات.. كل يتناول تصريحا أو سلوكا من تصريحات أو سلوكيات الرئيس الأمريكى الجديد ترامب... حيث أن الأرجنتين كانت قد حذرت من عواقب فوز ترامب.. أما وزير الخارجية الألمانى فكان قد صرح بقوله «نتوقع أوقاتا أصعب مع ترامب»...
وقد اشتم وزير الخارجية الفرنسي.. نفس إحساس الوزير الألمانى .. إلا أنه قد استخدم ألفاظا دبلوماسية: «سنبقى حلفاء أمريكا وسننتظر أن نرى ما هى سياسات الرئيس القادم»؟؟!!..
حتى أن الاتحاد الأوروبى لم يمهل «ترامب» حيث قام بدعوته إلى قمة فى أقرب فرصة... حين بلغ من حالة الاضطراب.. وحدة الجدل.. فيما يتعلق بفوز «ترامب» أن سؤالا طرح.... هل العالم على أبواب ولادة هتلر جديد؟؟؟؟؟؟!!!!!...
أضف إلى ذلك ما شهده العالم بعد فوزه من تأثير أسواق النفط بالسلب لفوزه ... كما أن فوزه أحدث هزة فى الأسواق العالمية.. بل وصل الأمر إلى أنباء تفيد بأن بعض من الأمريكيين يعتزمون الهجرة إلى كندا.... كل ذلك من هول رد الفعل لفوز «ترامب»....
ولكن.. المهم!!!... الصناديق تكلمت... ونطقت.. فاختارت «ترامب» رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية...
والسؤال الذى ينبغى أن يطرح.. لماذا فاز ترامب؟؟!!!........ على الرغم من الفارق فى الخبرة السياسية!!!!!!...... والإجابة على هذا السؤال!!!.. ليست من الصعوبة بمكان!!!... ولسبب بسيط وهو أنه استطاع أن يلمس قضايا تهم الشعب الأمريكى ... كما أنه استشعر بمخاوف الأمريكيين واحترم هذه المخاوف.. منها:
- حديثه عن آثار الهجرة السيئة على أمريكا واتجاهه إلى الحد منها بشكل قاطع... باعتبار أنها تمثل صداعا حادا ومزمنا للشعب الأمريكي...
- حديثه عن الإرهاب باعتباره أنه يمثل كابوسا يخيم على حياتهم .. ويقلق مضجاعه... من الآخر تعهد بحماية الأمريكيين... و إصلاح أمريكا من الداخل...
-حديثه عن وضع العمال وجعلها من أولوياته...
-حديثه عن تخفيف الضرائب.. وإتاحة فرص العمل للحد من البطالة التى تزداد يوما بعد يوم هناك....
لقد استطاع ترامب أن يدخل للأمريكيين من الباب العالى وهو باب العاطفة.. فضغط عليهم من خلالها .. مما أدى إلى فوزه ونجاحه على الخبرة... والتاريخ السياسى ... الذى كانت تتمتع بهما «كلينتون».... والتى لم تعبأ من قريب أو بعيد بالمخاوف التى انتابت الأمريكيين فى الوقت الراهن...
كما وعد بأنه سيعمل على إحداث تغيير شامل فى السياسة الأمريكية الداخلية أو الخارجية.. من إلغاء لقانون الرعاية الصحية «أوباما كيير» .... كما أنه سيلغى قرار «روضد وايد» الذى يسمح للنساء بالإجهاض...
كما سيعمل على حماية الحدود مع المكسيك من خلال بناء جدار بينهما... وسيلغى اتفاقيات التجارة الدولية التى وقعت عليها أمريكا...
كل هذه النقاط جعلته يحطم أسطورة استطلاعات الرأى.... ويصنع المعجزة بالفوز... ويجعل فوزه تصويبا لا تصويتا...
لقد أحدث ترامب زلزالا سياسيا غير مسبوق... وأثار حالة من الجدل سواء فى الانتخابات أو بعد حسمها له ... لن يستطع أن ينهيها إلا ترامب...
والحق أن هذا الرجل الذى ترأس أخيرا أقوى دولة فى العالم أمامه تحديات صعبة للغاية.. على كافة المستويات... خاصة والعالم يموج بالحرب... وأوهنته الصراعات والانقسامات.... واستغرقته الأحداث إلى مستوى لا يبشر بالخير...
فإذا انتقلنا إلى موقف الشرق الأوسط من فوز ترامب ... فإن الأمر مازال غير واضح بعد .. فمع صدمة بعض الدول العربية بفوزه فإن بعضا من الدول الأخرى ترحب بقدومه... ولعل من هذه الدول مصر... التى بادر رئيسها بتقديم التهنئة اللازمة له... على الرغم من المواقف الأمريكية السابقة فى العديد من القضايا التى تخص الشرق الأوسط وتتعلق بمصر.. فمن المعلوم أن خلافات حقيقية واسعة قد وقعت بين أمريكا ومصر بل أستطيع أن أقول إن الأزمات التى حلت على الشرق الأوسط ومصر عبر السنوات السابقة كانت بسبب التدخلات الأمريكية السافرة فى الشأن العربي... ويكفى ما حدث فى العراق وما ترتب عليه...
أضف إلى ذلك الإستراتيجيات الأمريكية التى تسعى إلى خلق حالة من الفوضى .. تسمى «بالفوضى الخلاقة»... والتى تقتضى إعادة رسم خريطة العالم العربى من جديد على أمل تحقيق هدف أمريكا فى شرق أوسط جديد... مما ترتب عليه حالة من الرفض والتوجس من السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط وصل إلى درجة من العداء .. استشعرت بها أمريكا ذاتها ....
وإذا انتقلنا إلى موقف أمريكا من مصر يكفى أن نقول منذ الولاية الثانية للرئيس الأمريكى بوش الابن.. وحتى وقتنا هذا .. لم يزر رئيسا مصريا الولايات المتحدة الأمريكية... كما أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن أمريكا قد توغلت فى الشأن المصري.... باستقطاب عناصر من أبناء شعبها... والذى ساعد على إحداث خلل واضحا أصاب حالة الاستقرار والأمن فى مصر.... وكادت بسببه تقع مصر فى حروب عصابات بين أبنائها لولا فضل الله تعالى بمصر وأهلها...
مما أثر بالتأكيد على العلاقة بين مصر وأمريكا بالتوتر المعلن الصريح والذى ظهر فى منع المعونة الأمريكية أو التلويح بمنعها وغيره من آثار...
أعتقد أنها تركت جروحا... أوغلت صدور المصريين تجاه أمريكا.. وما تركته من جروح غائرة.. لا ندرى هل أنها ستضمد وتندمل أم أنها سوف تزداد سوءاً...
لا يستطيع أحد أن ينكر أن أوباما المنتهيه ولايته... كان له موقف من السياسة المصرية الحالية.... لذلك يرى العديد من المحللين فى الشرق الأوسط أن فوز ترامب ليس كله شر ومن الممكن أن يكون فاتحة خير على الشرق الأوسط ... على الأقل سيحد من باب التدخلات المشينة التى كانت تلاحقنا جميعا من قبل السياسة الأمريكية السابقة...
ومن الواضح أن ترامب يختلف فى سياسته ونهجه عن سابقيه .... خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط بدليل أن له آراء فى بعض من الرؤساء العرب تكشف عن موقفه وعن إحاطته... بالآثار السلبية التى خلفتها المخططات الأمريكية فى الشرق الأوسط.. ومن ذلك ما صرح به ترامب بأن العالم كان سيكون أفضل لو صدام حسين ومعمر القذافى فى السلطة...
وعلى صعيد آخر.. ما يدفع الأمل فى قلوب المصريين.. أن نقول إن الرئيس المصرى «السيسي» كان قد وصف ترامب بأنه قائدا قويا للولايات المتحدة ... ذلك عند لقائه أثناء وجوده فى أمريكا... إبان زيارته للأمم المتحدة..
لتحدث مفارقة كم كان يحتاجها المصريين كما لو كانت قد برهنت على حدسه الذى أرجو أن يكون صحيحا هذه المرة... حين سارع الرئيس «السيسى» لتقديم التهنئة لترامب بعد فوزه... كأول رئيس فى العالم....
ليكون رد ترامب بليغا ومعبرا... أعتقد ليس فقط للرئيس السيسى للشعب المصرى كله.. حين قال ترامب.. أن بينه وبين السيسى «كيميا» تجمع بينهما.... حيث تمثل هذه رسالة اطمئنان للمصريين....
مما يبشر بإتاحة فرص لتغيير العلاقات القديمة وازدهار علاقات جديدة مع مصر... خاصة وأن ترامب هكذا يحرص فى كل مناسبة على الثناء فى التعامل الحازم للسيسى مع الإرهاب حين عبر فى غير مرة عن احترامه الكبير لتاريخ مصر...
الأمر الذى دفع بالكثيرين إلى التفاؤل الحذر... لفوز «ترامب» وأن العلاقات المصرية الأمريكية ستأخذ منحى مختلفا.. تسوده روح جديدة من الشراكة القوية والممتدة بين الدولتين ...
ومن هنا فمصر تتطلع إلى تعزيز علاقات التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية مادام الأمر سينصب فى مصلحتها....
بعد أن خلق فوز «ترامب» حالة من الانتقادات الواسعة فى العالم أجمع... إلا أن الأمر لم يخلُ عادة من التهويل.. فليس من المعقول أو المقبول أن يقال إن العالم يسير نحو مصير أكثر جنونا وحماقة باختياره... أو أن مزيدا من الجنون والفوضى سيجتاح العالم... بل على العكس أعتقد أنه كان واضحا أو انفعاليا.. ولكن أعتقد أنها لن تنم عن سياسته..لأنه يجب ألا ننسى أن أوباما فور إتيانه كان حريصا على جمع مشاعر المصريين ووجدانهم... وبعد ذلك اتخذ سياسات معادية تماما لمصر والإسلام..لذلك يجب ألا نحاسب الرؤساء الأمريكيين على التصريحات أثناء فترة الانتخابات.. لما يسودها من مبالغات وبريق تنصب فى خدمة البرامج الانتخابية فقط...
أعتقد أن الأيام المقبلة ستكشف عن طبيعة شخصية هذا الرجل وما سيحدث من تغيير فى سياسات أمريكا نحو العالم... سواء أكان الشرق الأوسط أو غيره...
وأخيرا رسالتى إلى ترامب... أن يعود إلى شخصيته وأن يوازن فى علاقاته مع جميع الدول.. وأن يراعى مصلحة بلاده.. ولكن ليس على حساب مصالح الآخرين.. وأن يعى قيمة مصر وأهميتها وأنها المفتاح الحقيقى لدخول بوابة الشرق الأوسط... وأن يسرع بإغلاق ملف الفوضى الخلاقة التى خلفت ميراثا من الكراهية بين أمريكا وشعوب الشرق الأوسط... وعليه أن يقضى على هذا الفكر المسموم والمتمثل فى الشرق الأوسط الجديد... وأن يشارك فى محاولة رأب الصدع فى كثير من الدول التى كانت لأمريكا سببا مباشرا فى نزاعاتها وصراعتها... وألا يحاول الضغط على مصر كما كان يفعل سابقوه.. وأن يحترم يد التعاون التى امتدت له من رئيسها ويقدر قيمة التفاؤل بقدومه على الرغم من الضجة الشديدة التى صاحبت ترشحه فضلا عن فوزه...
ورسالتى إلى «كلينتون»... التى استطاعت أن تصل إلى مكانة لم تستطع امرأة الوصول إليها فى أمريكا أن تلتفت إلى صحتها .. فوالله ما يستحق مكسب فى العالم أن يخسر فيه المرء نفسه حين يكون سببا فى خراب أو دمار شعوب... ويجب عليها أن تستوعب الدرس القاسى التى منيت به وأدى إلى فشلها وخسارتها... وأن أحداث التاريخ لا يمكن أن تموت ... فلقد تسبب تأييدها للحرب فى العراق الذى استوجب منها إعتذارا بلا مضمون... أن تفقد شعبيتها ومكانتها فضلا عن ثقة الشعب الأمريكى بها.. فقد رأها على كل ما هى عليه.. أنها متهمة و بأنها غير نزيهه... ولا ندرى ماذا عن اتهام شعبها فيما قامت به فى سوريا... وما كانت عليه فى احتضان الخراب العربى «الربيع العربى سابقا».. وأخيرا دعمها كما صرحت فى كتابها لصناعة داعش بعد القاعدة.. هذه الجماعات المتوحشة.... بكل أسف بصمة مؤلمة تركتها امرأة فى العالم وهى تحاول أن تغير تاريخ دولة عظمى حين تعيد المجتمع الجاهلى من جديد بوحشيته وهمجيته وقسوته البالغة...
ولــمصر أقول.....
إن العالم تجتاحه رياح التغيير.. والتى هبت من أمريكا وتشابهت إلى حد كبير مع «تسونامي».. فلتكن مدركة لهذا المعنى ومتحققة منه... ولا تموت قدماها إلا فى الطريق الذى عُبّد لها وهيئ لها الوصول إلى هدفها...