نقابة الصحفيين تشهد احتفالية كبرى بسبعينية الشاعر محمد الشحات
شهدت قاعة محمد حسنين هيكل بنقابة الصحفيين احتفالية كبرى نظمتها اللجنة الثقافية والفنية بمناسبة بلوغ الشاعر محمد الشحات عامه السبعين، شارك فيها د. شهير دكروري رئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة المنيا، د. أحمد الشيمي العميد السابق لكلية الألسن جامعة بني سويف، د. أحمد فرحات أستاذ في كلية الفارابي بجدة، د. احمد الباسوسي قاص وناقد واستشاري العلاج النفسي وعلاج الإدمان ، د. أحمد الصغير أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب جامعة الوادي الجديد، والناقد أسامة جاد. وأدارها الشاعر أحمد سراج.
وحضرها لفيف من الادباء والشعراء منهم فارس خضر ، ماهر حسن، د. البيومي محمد عوض، ليلى حسين ، د. أحمد كرماني، وبدأت الاحتفالية بإلقاء الشاعر محمد الشحات لمجموعة من القصائد تلاها قيام الشاعر احمد سراج بالحديث عن تجربة محمد الشحات الشعرية التي بدأت بأول اعماله عام 1974 الى ان توقف عام 1996 ثم عودته للكتابة عام 2012 حيث قدم في الفترة الاولى 6 دواوين وشهدت المرحلة الثانية اصدار الشاعر 19 ديوانا ، وخلال ايام يصدر ديوانه السادس والعشرون "خلوتي" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .
يتحدى الخوف ويقاوم الضعف الإنساني
بدأت الدراسات النقدية بورقة عن خوف محمد الشحات من المساومة إلى الإقبار للدكتور شهير أحمد دكروري، حيث ألمح الى أن ديوان ترنيمات شاعر قبل الرحيل الصادر عن دار الأديب تضم مجموعه من القصائد شديدة التعبير والغوص في الاغوار الإنسانية بصدق وسلاسة شديد ، ومن بين قصائد هذا الديوان الكثيرة كانت قصيدة (خوف) ، حيث يعد الخوف ظاهرة بشرية ، بل ظاهرةً طبيعية ، جبل عليها الإنسان والحيوان والطير، وكل ما فيه نفس و روح ، لكنه يبدو ماثلاً بشكل كبير، و لافت للنظر لدى الإنسان في عمومه. والخوف كما هو ظاهرة طبيعية / كونية . فإنه متعدد ( المسارب والدرجات حسب قوة المخيف وحدته.
وأضاف بأن الخوف يجلب القلق والفزع للكون بأسره ، وللانسان بشكل خاص ، ويعاني كثير من الناس من الخوف ، فهو راكز في طبائعهم و ذواتهم ، لكن الخوف لدى المبدعين والشعراء - تحديدًا - يعنى الكثير من الدلالات ، بين السلبية والإيجابية ،على حد سواء ، وتمشيًا مع حدّة الخوف ودرجته نلحظ الشاعر الكبير ( محمد الشحات ) ينطلق منه ، ويعود إليه عبر قصيدة دالة عنونها بـ ( الخوف ) ، لكن انطلاقته في البدء – دون شك – تختلف عن العودة في الانتهاء ، وبين البدء والانتهاء ،تتماوج نسبة ذلك الخوف و طبيعته و درجته وكيفية التعامل معه ، بل مواجهته وتحديه معًا .
التيار الشعري يبدو قادمًا من معين لا ينضب ولا يتوقف
ثم تناول د. احمد الشيمي في ورقته الغربة والوطن والعشق قراءة بانورامية لتجربة الشاعر مشيرا الى أن القارئ في دواوين الشاعر الكبير محمد الشحات تشده غنائيته التي وضعته – في رأيي – على الفور مع صلاح عبد الصبور ومحمد عفيفي مطر وأحمد عبد المعطي حجازي، مع هؤلاء الثلاثة بالذات، فهو مثلهم لا يتميز بالغنائية العذبة وكفى، وإنما بتدفق التيار الشعري الذي يبدو قادمًا من معين لا ينضب ولا يتوقف، أو لا يفتعل الاستمرار والقدرة على الحكي والغناء، فهناك من الشعراء من يبدأ قويًا هادرًا وما تلبث ناره أن تخبو وربما تستحيل إلى رماد، فيتحسر القارئ على المتعة التي لم تكتمل، والفارس الذي يتعب. والشاعر الذي يبدأ القصيدة قويًا متمكنًا وينتهي بها قويًا متمكنًا نادر الوجود خاصة في الربع الأخير من القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين. ومحمد الشحات من هذا النوع بالتأكيد.
وذكرنا للشاعر محمد الشحات في معية الثلاثة الذين ذكرناهم معه يعني أنه من فرسان شعر التفعيلة ولكنه يتميز عنهم بأنه تجاوزها إلى قصيدة النثر، فهو من جيل السبعينيات الذي تتلمذ على جيل الخمسينيات (جيل عبد الصبور وحجازي) وجيل الستينيات (السياب ونازك والبياتي وأدونيس)، ولكن محمد الشحات لا يمكن أن نحسبه على جيل معين، ونقول إنه من جيل السبعينيات ونريح أنفسنا، فهو مشروع شعري متكامل.
الشحات يلتقط الشعر من فتات الأشياء
ثم جاء حديث د. احمد فرحات والذى استهله بقوله أستطيع –مطمئنا- أن أصف شعر محمد الشحات بصفتين من أهم صفات الشعر، أما أولاهما فهي "الحنية" وأعتذر عن استخدام الكلمة في سياق النقد، وهي سمة منبعها روح الشعر، التي هي روح غفل، ولكنها قوة من قوى الطبيعة؛ والشاعر قادر على الانفعال والتأثير، والانفعال فيه ما يلهب الحس، فيدرك بقلبه ما لا تدركه العقول!
وأضاف والصفة الأخرى-وهي مرتبطة بالأولى- في شعر محمد الشحات أنه قادر على أن يلتقط من فتات الحياة (أشياء الأشياء التي تحيط بها المعرفة ولا تؤديها الصفة) بأنامل ورعة. أو إن شئت قلت (والقولُ يَنفُذُ ما لا تَنفُذُ الإبرُ) لذا فإن شعره يقع في أتون بركان ثائر، تتلظى بحممه ألفاظُه وتراكيبُه وصورُه وموسيقاه ذات النغمة الصافية، ففي شعره رنين هادئ يرتفع تارة ويهبط تارة، وبينهما يتردد الشعر مُتَرَنَّما به، يجابه بضعفه الإنساني العام نيران البركان وأوراه المستعر؛ لأنه شعر ذو طبيعة إنسانية رقيقة في مجابهة أعتى أعداء الإنسان، وهي النفس الإنسانية. وغالبا يكون الشعر المنبعث في النفس متأثرا بما ينازعها من غرائز تبدو دفينة مختفية، لكنها في الحقيقة تشغل نفس الشاعر ويكتوي بنارها. وبحسب نظرية فرويد في التحليل النفسي للأدب، فإن النفس الإنسانية يتنازعها غريزتان أساسيتان تمثلان في شيء: غريزة الحياة، وغريزة الموت.
ويشير د. فرحات تسيطر على الشاعر غريزة الحياة في كل مظهر من مظاهرها البراقة، كالطبيعة بكل ما فيها من جمال، باعتباره جزءا من كيان شامل يسمّونه "الكون" ، إنه جزء محدود في الزمان والمكان . يخوض في معترك الحياة بأفكاره و شعوره وعواطفه ، كأنه شيء مختلف عن الأشياء الأخرى، كأنه كيان مستقل عن هذه المنظومة الكونية الشاملة، هذا ليس سوى نوع من الخداع البصري ، هذا الوهم هو نوع من السجن يجب أن تكون مهمتنا هي تحرير أنفسنا من هذا السجن. وذلك بتوسيع مجال عواطفنا لاحتضان جميع الكائنات الحيّة و كل الطبيعة بما فيها من جمال و مخلوقات جميلة.
كما يقول أينشتاين إن نظرة واحدة إلى بعض العتبات أو جلها ستريك مدلولا يشي بالقلق والاضطراب وربما الخجل .. تأمل ديوان"محاولات لا أعرف نهايتها" "عندما تدخلين دمي" " كثيرة هزائمي" وديوان"أدخلوني على مهل". يشقى الشاعر شقاء مرا إذا فتح كتاب الأسرار، فليس به راحة ولا يقين، بل الشك والارتياب والقلق النفسي الذي يأخذه في دهاليز النفس الإنسانية ويعاني ما يعاني جراء كشف الأسرار.
يستلهم التراث الشعبي والأسطوري والديني ببراعة
أما الناقد الدكتور احمد الصغير فقد قال في ورقته النقدية يعد الشاعر المصري محمد الشحات (1954ـــــ.... ) واحد من شعراء قصيدة التفعيلة الذين أدركوا أثر الإيقاع الشعري في وجدان الجماهير من جهة وأثره على الشاعر من جهة أخرى ، وقد وقفت على شعر محمد الشحات وقفات عدة ، من أهمها تقنيات السرد الشعري عند محمد الشحات ، وفي ديوانه ملامح ظلي / الهيئة المصرية العامة للكتاب 2021، فوجدت ملامح الشاعر / الظل الذي يحاور نفسه متأملا صخب الحياة ولهاثها الدائم حول الجذب والشد ، والنهي والاستنكار. يطرح ملاح ظلي صورة الذات الشاعرة الهائمة في الواقع والمنكبة على قراءة العالم ، لأنني أعتقد الشعر هو قراءة للعالم على مستويات عدة كاستعادة التراث الشعبي ، والأسطوري ، و الديني ، والصوفي ... إلخ .
ومن ثم ينطلق النص الشعري من لحظة التبئير السردي وهي لحظة مركزية يحاول الشاعر ممارسة طقوسه اليومية في لقصيدة ، فيلج في اللغة والموسيقى مرتكزا على الصورة الذهنية التي تتفجر من خلال تشكلات المعنى في الذهن فتخرج متعبة في فضاء الشعر، حالمة بعالم جديد تدرك فيه لحظات الجمال والعدل والحق ، بل تنسف ما تبقى من زيف وجبروت وقسوة معنوية .
ويضيف يمتلك الشاعر محمد الشحات خطابا شعريا منكفئا على ذاته ، وكأن الشحات يوجه خطابه للداخل ، متأملا الذات / الظل ، التي تتحدث عن هواجس الخوف والضعف والموت والخلود ، والمنفى الداخلي في وقت واحد، ذلك التوحد الإرادي مع الذات ومع العالم رافضا سلطة الماضي التي تكبل لحظات التجدد وتقتلها.
يملك رؤية خاصة للوجود ويعيد تشكيل الحياة شعريا
أما د. احمد الباسوسى فقال في ورقته عن التجربة الشعرية أو الابداعية عموما ليست مجرد إسقاطات لفظية يجيد صنعها أو حبكتها الشاعر أو الروائي نتيجة احتكاكه بواقعه، ويتمكن من خلالها من صياغة رؤية خاصة قادرة على الغوص في أعماق هذا الواقع وسبر غوره ثم اعادة تنظيم المنتج أو المحصلة، وتشكيله في ومضات شعرية أو حكائية أو تشكيلية توازي أو تعاكس أو تتجاوز ما هو واقع بما يتفق مع ما يدور داخل المبدع من صراعات داخلية نفسية واجتماعية، ،وتجربة الشاعر محمد الشحات في المجمل وفي ديوانه رجل مسكون بالزرقة الذي أصدره في اوائل العام (2021) تبدو متسقة مع شخصية الشاعر المتفردة في تكوينها النفسي /الاجتماعي.
وأضاف الشاعر محمد الشحات يستدفئ داخل عقده السابع و منذ خرج من قرية الضهرية التي قاتل فلاحوها مع الظاهر بيبرس الى جامعة القاهرة ليدرس اللغة العربية في كلية الآداب، ولازال صوت الشعر داخله يلح بقوة داخل رأسه منذ دخل مراحل الوعي المبكر بطفولته ويدفعه الى التأمل في مفردات ومعطيات واقعية قبل أن يتفجر ابداعا على استحياء في مراهقته، ذلك الأمر الذي اضطره من دون تردد ان يستهدف دراسة اللغة العربية في أعرق كليات جامعة القاهرة والجامعات المصرية قاطبة وهي كلية الآداب.
استعرضت المداخلة التي قالها الناقد والشاعر أسامة جاد عناصر البنية والأسلوب في قصيدة الشاعر، وقدمت قراءة تطبيقية في عدد من النصوص التي تناولت ارتباط الشاعر بوالديه والمجاز الكلي الذي يضم تلك النصوص من خلال مفهوم الحياة بوصفها رحلة من عدة محطات، وطرحت المداخلة مدخلا إدراكيا لتناول تلك النصوص استنادا إلى مفهوم الاستعارة عند لايكوف، كما ناقشت عناصر أسلوبية مركزية من بينها غلبة الجملة الفعلية بما لها من طبيعة سردية في نصوص الشاعر على اختلاف موضوعاتها وأزمنتها وفق مفهوم الشعرية كما طرحه ياكوبسون، وعلاقات التضمين والمشاكلة وما تضفيه على النصوص من سمات ترصيعيه يقوم النص الشعري معها على مفهوم تجميعي يستفيد من عناصر التكرار الصوتي والانتقاء الاستبدالي المقصود على المستويين النحوي والمعجمي.
كما أشارت المداخلة إلى طبيعة اليقين الشعري الساكن الذي تنطلق منه الرؤى الجمالية والإحالات المرجعية في نصوص الشاعر، واعتماد الترميز الدلالي في إحالاته المرجعية كما في اعتماد السنبلة/القمح/الخبز كدال مركزي على مفهوم الخير والخصوبة والبراءة الأولى كما في قصيدته "نهاية الرحلة" التي كتبها عن والده، وكيف استعاد المفاهيم نفسها في قصيدته التي يخاطب فيها ابنه في ديوان آخر