«الزمان» تكشف الكارثة..
«حضّانات للأطفال المبتسرين» يديرها أصحاب دبلومات فنية
واقع مرير تعيشه الأسر المصرية، ليس بسبب زيادة الأسعار أو نقص السلع، لكن بسبب غياب الضمير لدى بعض رجال الأعمال ممن خصصوا جزءًا من أموالهم للاستثمار فى حياة الأطفال "المبتسرين"، من خلال إنشاء حضانات خاصة، ليس لوجه الله، لكن لتحقيق مزيد من الأرباح، بعد أن زاد معدل الأطفال المبتسرين الفترة الماضية ليمثلوا 10% من إجمالى عدد الأطفال المولودين سنويًا، وفقًا لإحصائية رسمية صادرة عن وزارة الصحة.
وفى ظل غياب العمالة المدربة وكذلك الحضانات داخل المستشفيات الحكومية، تلجأ العائلات التى لا حول لها ولا قوة إلى الحضانات الخاصة، التى بات يدير بعضها الآن مجموعة من أصحاب المؤهلات المتوسطة وغير المتعلمين تحت إشراف معدومى الضمير ممن يتاجرون بحياة هؤلاء الأطفال ويغامرون بها حينما يضعونها بين أيدى غير المختصين.
البداية التى قادتنا لهذا التحقيق، كانت من واقع البلاغ رقم 1004 لسنة 2016 جنح إمبابة، الذى تقدم به المهندس صبرى عبدالله ضد الطبيب "م.ح" صاحب حضانة خاصة للأطفال المبتسرين، يتهمه بالإهمال والتسبب فى وفاة نجله البالغ من العمر شهرًا، على خلفية علاج خطأ تم إعطاؤه للطفل من قبل طاقم تمريض غير مدرب ومؤهل للإشراف على هذه الحالات.
بصوت تبدو عليه الحسرة لفقدانه الولد الذى طالما حلم به بعد إنجاب أربع بنات، قال صبرى لـ"الزمان": لم تكن حالة نجلى سيئة بالشكل الذى وصلت إليه داخل حضانة هذا الطبيب معدوم الضمير، فهو يعانى من الصفراء وطبيعى أن يشفى منها بعد تعرضه للضوء داخل حضانة لساعة أو ساعتين على الأكثر، وبالفعل توجهت إليه ودفعت رسوم الدخول 500 جنيه، لأجد الطبيب يخبرنى بأن حالة الطفل تستلزم المكوث داخل الحضانة لثلاثة أيام حتى يكون تحت الملاحظة، ورسوم الإقامة فى الليلة الواحدة 1000 جنيه، وبعد اليوم الثانى وجدت أن حالة نجلى تسوء، حتى فارق الحياة بحجة نقص المحاليل فى جسده، رغم أن حالته لم تكن جفافًا، ولكنى اكتشفت فيما بعد أن الإهمال وعدم الرعاية هما السبب بعد أن قام الطبيب بتوظيف أشخاص غير متعلمين داخل الحضانة بسبب عدم وجود كوادر تمريض مدربة، فقمت بتحرير محضر بقسم الشرطة وآخر لدى النائب العام.
وتابع صبرى: اتخذ المحافظ قرارًا بإغلاق تلك الحضانة بعد هذه الواقعة لكنها لاتزال تعمل حتى الآن.
الدكتور حمدى زلابية استشارى طب الأطفال المبتسرين، أكد أن هذه الواقعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وهناك عشرات الحضانات التى تعمل بنفس الطريقة، إذ يستعين أصحابها ببعض الأشخاص ممن عملوا بعيادات أطباء للعمل بالحضانة لتوفير رواتب الممرضات من ذوى الخبرات، والنتيجة تكون إعطاء جرعات زيادة فى العلاج ومن ثم الوفاة.
وتابع زلابية: هناك حضانات تستقبل الأطفال المصابين بالصفراء، وهى الحالات التى لا يستمر على وجودها بالحضانة أكثر من أسبوع، والمستوى الثانى من الحضانات لمن يعانون أزمات فى التنفس، والمستوى الثالث للمصابين بأمراض قلبية وعيوب وراثية وهى حالات نادرة ولا يتم استقبالها إلا فى مستشفى الأطفال ببنها، فهى المكان الوحيد المجهز لتلك الحالات، لكن بالنظر لفوضى الحضانات الخاصة نجدها باتت الآن تستقبل جميع الحالات، والكارثة أنها تقوم فى بعض الأحيان بإجراء عمليات جراحية من خلال الاستعانة بجراحين وإجراء العمليات فى غرف غير معقمة.
فيما أوضح الدكتور معتز نورالدين استشارى طب الأطفال حديثى الولادة، أن الحل هو زيادة عدد حضانات الحكومة والأطقم المدربة، لكن ما نجده من العاملين داخل حضانات المستشفيات الحكومية هو إجبار الأهالى وتوجيههم إلى الحضانات الخاصة المملوكة بالأساس لأعضاء بهئيات تدريس بكليات الطب ومديرى أقسام الولادة بالمستشفيات، ومن ثم يحصل العامل أو الممرضة على نسبة من الحالة التى يتم إرسالها للحضانة الخاصة بعد أن تقوم بإغلاق الحضانة الحكومية فى وجه الحالة.
وبالعودة إلى المعلومات التى حصلت عليها "الزمان" والخاصة بالحضانات التى يديرها حاملو الدبلومات الفنية وغير المتعلمين، رصدنا واحدة بمدينة أوسيم الواقعة فى أطراف محافظة الجيزة، وأخرى بمدينة الباجور ومدينه تلا بالمنوفية، وأخيرًا فى برج مغيزل بمحافظة دمياط، وذلك من واقع بلاغات تقدم بها الأهالى المتضررون من مثل هذه الحضانات التى لا تقدم الرعاية الصحية اللازمة لأبنائهم، مما عرض حياتهم للخطر، فى حين أن آخرين فقدوا حياتهم بسبب تلك الحضانات.
وأكد مصدر طبى بوزارة الصحة أن نحو 60% من الحضانات الخاصة يعمل دون ترخيص، فمواقعهم غير مطابقة لشروط الأمن والسلامة، ورغم ذلك تصدر ضدهم قرارات إغلاق، إلا أن جميعها لا تنفذ، إلا فى نطاق محدود كما حدث مع حضانة الهرم التى تسببت فى تفحم جسد طفل بعد تعريضه لضوء حرارى لفترة طويلة، وهناك عشرات الحوادث المشابهة بسبب غياب أصحاب الخبرات.
محمد عبدالهادى، أحد ضحايا حضانات محافظة المنوفية، يوضح أن نجله كاد يفقد حياته بسبب جرعات مفرطة فى معدل الهواء الموجود بالحضانة وسوء تغذية، ولولا العناية الإلهية لكان فارق الحياة.
الدكتور صفوت الشيهى، عضو نقابة الأطباء، أكد أن مثل هذه الممارسات تستوجب العقاب الجنائى، فيمكن لصاحب الحضانة أن يستعين بغير المؤهلين علميًا لأعمال النظافة والأمن فقط، لكن لا ينبغى الاستعانة بهم فى الإشراف على الحالات المرضية، فهناك أدوية وأغذية يتم إعطاؤها بكميات محددة ولا يمكن الإفراط فيها حتى لا تحدث مضاعفات.
فيما أكد مصدر طبى، أن لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء رصدت عددًا من هذه الحضانات على مستوى الجمهورية تعمل بهذه الطريقة، إذ توجد واحدة ببرج مغيزل بمحافظة دمياط، وتم إغلاقها بشكل نهائى، وحضانات أخرى بتلا والباجور وأوسيم وإمبابة وسنورس بالفيوم وجرجا بسوهاج.