ترامب.. الخطر القادم من أمريكا
من الصعوبة البالغة الحكم على شخص من خلال موقف بعينه أو تصريح مهما كانت أهميته أو حتى اعتمادًا على طبيعة شخصيته.. فما بالنا برئيس دولة؟!!.. وأي دولة!!!.. إنها أمريـــكا... أكبــر دولة في العالم!!.. وأعظم قوة فيه!!!....
ويقيني أن العالم لم يتوجس من أحد كما توجس من «ترامب» وشخصيته!!... فقد صاحب ترشحه ضجة كبيرة وانتقادات حادة للغاية... بل حالة من الاستنكار غير المعهودة... ولم يكن أحد ليتوقع أن يحظى بالفوز في الانتخابات الرئاسية.. في ظل منافسة غير متكافئة مع نظيرتة «كلينتون»... التي لها باع كبير وخبرة طويلة وحنكة ممتدة في مجال السياسة... ومع ذلك خابت الظنون وخسر الجميع الرهان.. وفاز ترامب وتقلد!!!...
صحيح أنه ساهم إلى حد كبير في خلق هذه الحالة من القبول والرفض.. من التأييد والمعارضة.. التي لم تخف منذ ترشحه وحتى بعد توليه مقاليد العالم... بل تطورت إلى أن بلغت مستوى الشك في الانتخابات نفسها حتى أن تحقيقات رفيعة المستوى تجرى الآن بخصوص هذا الصدد..
العجيب أن الولايات المتحدة الأمريكية على تشدقها بالديمقراطية.. وإيمانها بالصندوق.. فقد خرجت الملايين من أبناء شعبها ترفض تولي ترامب قيادة الولايات المتحدة الأمريكية.. والأغرب اشتراك الكثير من الشخصيات العامة والسياسية والفنية في هذه التظاهرات..
ولك عزيزي القارئ أن تقف على طبيعة علاقة ترامب بالإعلام الأمريكي.. لتتجسد لك حجم المشكلة التي ستقبل عليها أمريكا فضلًا عن العالم..
لقد أصبح ترامب والإعلام وجهًا لوجه.. حتى بلغ الأمر أن المتحدث باسم البيت الأبيض الحالي «شون سبايسر» قد صرح بأن الإعلام يقف ضد رئيس الدولة.. بل لم يقف الأمر عند انتقاده للإعلام بل هاجمه وأظهر ذلك علانية.. وفي المقابل فإن الإعلام الأمريكي لم يخف مشاعر الرفض بل كثيرًا ما أعلن عنها وأظهر عدم قناعته بتولي «ترامب» لزمام الولايات المتحدة الأمريكية..
ولعل ما يجسد الصراع الدائر بين الرئيس الأمريكي والإعلام ما صرح به «ترامب» نفسه ضد شبكة «CNN» ووصفه لها بأنها تنقل أخبار كاذبة ووهمية..
ولعل في هذه العلاقة الصادمة بين ترامب والإعلام ما دفع الصحف ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية العالمية فضلًا عن القنوات التليفزيونية في رصد الفرق الهائل في أعداد الحضور لحفل التنصيب بين «أوباما» في الفترة الأولى والتي كانت في عام ٢٠٠٩.. وبين ترامب في رئاسته الحالية.. إذ حضر لأوباما ما يقرب من مليون و٨٠٠ ألف.. بينما لم يتجاوز ربع هذا العدد مع ترامب..
كما استغلت كاميرات الإعلام بعض التصرفات من عائلة ترامب.. ورصدتها بشدة وعلقت عليها مستخفة بما بدر منها من تصرفات تخالف بروتوكولات هذه الحفلات على حد وصف الإعلام.. الأمر الذي دفع البيت الأبيض إلى شن هجوم وانتقاد واسع ولاذع لهذه الانتقادات من خلال بيان غير معتاد من متحدث الأبيض الأبيت إذ علق، قائلًا:«هذه المحاولات التي يقوم بها الإعلام، هي لتقليل الاهتمام بحفل التنصيب، وهي تعد تصرفات مخجلة وخطأ وفق ما نقلته وكالة رويترز»..
والسؤال الذي يطرح نفسه ما سر هذه المعارضة النارية التي لم تفارق ترامب منذ ترشحه وحتى بعد توليه رئاسة أمريكا؟؟!!...
هل سر المعارضة يكمن في حالة القلق الشديدة التي تسيطر على العالم نتيجة لتصريحاته المستفزة ووعوده التي قطعها على نفسه والتي سيكون لها من الآثار الصعبة للغاية على الكثيرين ممن يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية التي ترجع جنسيتهم إلى دول عربية وأجنبية.. مسلمة وغير مسلمة؟؟؟!!!!!!....
في الحقيقة إن هذه الإجابة لم تشف غليل ولم تعالج عليل.. في الكشف عن حقيقة هذه المعارضة التي نشأت منذ اللحظة الأولى لظهور ترامب على ساحة الانتخابات الأمريكية!!...
وللإجابة بصورة أعمق دعونا نقترب من تلك التصريحات والوعود التي أدلى بها ترامب قبل فوزه بالانتخابات الأمريكية الأخيرة..
فهذه التصريحات لم تكن لتخلو مطلقًا من إزكاء روح العنصرية.. واستعداء لعناصر مهمة من مكونات الشعب الأمريكي والتي ساهمت بصورة قاطعة في تقدمها ونهضتها!!..
لاشك أن هذه التصريحات أقلقت أفرادًا ودولًا.. ودفعت الكثير منهم لمعارضته وبشدة والإعلان عن ذلك وبقوة حتى بعد فوزه!!.. فليس بالمستغرب إذن هذه التظاهرات التي زاد عددها عن أكثر من ٢ مليون شخص في ولايات متفرقة..
ولقد وقع بالفعل ترامب في يوم الأربعاء الموافق ٢٥ يناير على قرار يقضي بتقييد الهجرة لأمريكا من عدة دول غالبيتها من الدول العربية والإسلامية!!.. والحظر لعدة شهور!!...
ومن المعلوم أن لرئيس الدولة الحق في اتخاذ مثل هذه الإجراءات لأنها من مقتضى سلطاته للحد من قبول طلبات اللاجئين..
إلا أنه إذا كانت المسألة من الناحية القانونية جائزة ومن حقه.. فإنها من الناحية السياسية سبة ولطمة وسيئة يوصم بها ترامب.. لأن اللاجئين في احتياج إنساني ملح.. خاصة في الوقت الحالي نتيجة للصراعات الممتدة حول العالم والذي يقع معظمها في الشرق الأوسط وعالمنا الإسلامي...
ومما يؤكد حالة القلق التي تسيطر على العالم بعد تنصيب ترامب ما يتعلق بــ«الدولار».. إذ تأثرت البورصة العالمية سلبيًا بتنصيبه ووجوده على مقعد الرئاسة.. واهتزت قيمة الدولار في العالم هزة شديدة لم يتعرض لها منذ سنوات.. ولعل هذا المؤشر الذي يحمل طابعًا ماديًا صرفًا يعكس بكل صراحة ووضوح حجم هذه المخاوف من وجود ترامب على مقعد الرئاسة في أمريكا..
وفي نظري أنه من أخطر التصريحات التي من الممكن أن تجلب الشر للعالم وتفتح بابًا لإرهاب الدول والأفراد ما انتواه ترامب من نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس الشريف.. إذ سيؤدي النقل بالضرورة إلى تهديد السلم العام في العالم والقضاء على فكرة الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.. وعلى رغم من إقرار الكونجرس الأمريكي سنة «٩٥» بنقل السفارة إلى القدس الشريف إلا أن رؤساء الولايات المتحدة أجلوا التنفيذ عبر ما يزيد عن عشرين عامًا على اختلاف أسمائهم..
وذلك تحسبًا للنتائج والآثار المترتبة على عملية النقل والتي تحمل جميعها تهديدًا للأمن القومي الأمريكي فضلًا عن أنها ستزيد غضب الشعوب العربية والإسلامية..
هذا وقد صرح البيت الأبيض بالفعل منذ أيام قلائل بأن موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في مراحله الأولى من المحادثات كما نقلت ذلك وكالة رويترز..
وبعد استعراض هذه المظاهر التي تكشف عن مدى القلق الذي يجتاح العالم نتيجة وصول ترامب إلى الرئاسة يبقى السؤال أنه من حق العالم ليس فقط الإسلامي والعربي بل على العالم أجمع أن يصل إلى هذه الدرجة من التوجس والحذر الشديدين وذلك لما أكدته القرارات التي ينتهجها... رغم أنه يسير فيها بهدوء شديد إلا أنها تؤكد إذن الموقف الصارم العدائي المتطرف المسبق الذي عبر عنه بصورة شديدة اللهجة في الانتخابات الأمريكية بصورة معلنة رغم حرصه على كون هذه القرارات بهذه الصورة الهادئة هذه الأيام والتي يغلفها بابتسامة واتصالات هاتفية تصل إلى حد عودة المعونة إلى مصر مثلًا!!..
إلا أن القرارات السابقة في تحجيم دخول اللاجئين إلى الولايات المتحدة أولًا... ومن ثم نقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس ثانيًا.. وهذين القرارين بهذه السرعة تزامنًا وحدة.. كافية لبيان نيته المبيتة تجاه العالم الإسلامي والعربي .. وأمل الشعوب الأخرى في أمريكا بلد اللاجئين والنازحين أساس وقوة أمريكا الحديثة التي قامت عليها.. هذه الحشود المضطهدة عرقيًا ودينيًا وسياسيًا واجتماعيًا من أجناس العالم المختلفة..
وإذا كان هذا الحال بالنسبة لهؤلاء المنتفعين سابقًا والمتضررين اليوم وغدًا من هذه القرارات.. ولكن ماذا وراء موقف الشعب الأمريكي نفسه منه؟؟!!... خاصة الموقف العدائي الذي يتخذه ويعلنه بصراحة مطلقة الإعلام الأمريكي ضده!!!!...
والذي يفوق مجرد القرارات المزعم تنفيذها تجاه اقتصاد العالم والتي تتمثل في السياسات الحمائية التجارية التي وعد بها ترامب... وتعني إجراءات فرض ضرائب ورسوم!!!!.. وهذا ما تكشف عنه الأيام المقبلة!!!..