ألم الختام.. لاستشهاد الإمام..
هكذا حال الدنيا أن يجتمع فيها التضاد الموت والحياة.. الفرح والحزن.. البسمة والدمعة.. السعادة والشقاء.. الفراق واللقاء..
هكذا دومًا تختلط النقائض لترسم أصدق الصور التى تترك أعمق الذكريات تأثيرًا.. إذ أن لحظاتها الجميلةة دومًا خاطفة زائلة سريعة.. كأنها كانت حلمًا.. لأن كوابيسها أعظم عذابًا.. وأكثر بقاءً... وأشد إيلامًا.
ولا يعرف ماهيتها كى يتغلب عليها بأفراحها وجراحها.. إلا من يعرف الله حق معرفته.. ويمتلأ قلبه بشديدد الإيمان.. وعظيم اليقين بالله.. فلا ينزلق فى دهاليزها ولا يعطيها قدرًا أكبر من قدرها.. حين يعرف أنه فيها ضيفًا زائرًا عليها .. فلا ينخدع أبدًا ببريقها.. ولا يضل فى ضلالها مهما كان إغراؤها ..
لكن هذا المرء دائمًا يعيش موجوعًا.. حزينًا .. متألمًا.. وإن كان فى ذلك ذكيًا لأنه متفقه ورع زاهد عابد.. لأنهه بالله عارف.. فلا يهمه تلك الليالى والأيام.. لأنه يعلم علم اليقين أنها إلى مآل وزوال.. فأبدًا لا يبكيها وإنما يبكى على نفسه فيها.. يتمنى لو أن يبارحها .. وقد عرف أن خلوده بعيدًا عنها.. فوقها .. فى بعدها ... وإن كان تحت ثراها.. لكن مكانه فى العلى بين ثرياها...
هكذا تعمدت أن أكتب خلفية الإمام عليّ ذلك الواعظ والحكيم لنعرف ماذا كان وراء حكمته وفصاحةة لسانه؟؟!!.. وهو عظم الألم.. كلما عظم الألم.. كلما عظمة الشخصية.. وارتفعت المكانة... وأنه لا يمكن أبدًا أن يخرج منها عيب بل هى قائدة رائدة حتى بعد رحيلها أو مغادرة الدنيا!!.. وقبل أن أخوض فى أعمال الإمام.. أتحدث عن خلافته العصماء الغراء التى بدأت بعد وفاة الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان...
لقد تولى الإمام عليّ بن أبى طالب «رضى الله عنه» الخلافة وذلك بعد أن استشهد خليفة المسلمين الثالث سيدنا عثمان بن عفان «رضى الله عنه»... إذ جاء بعض الناس يعرضون على الإمام عليّ بن أبى طالب «رضى الله عنه» أن يتولى الخلافة.. ويعطوه البيعة على ذلك... إلا أنه «كرم الله وجهه» أبى فى البداية وأنكر عليهم بيعتهم.. قائلًا: إنما البت فى هذا الأمر يملكه أهل الحل والعقد «أهل الشورى» من أكابر الصحابة كطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وغيرهم من القادة والأمراء..
وبعد ذلك جاء الناس فى المرتبة الثانية وفى مقدمتهم «أهل الشورى» يطلبون من عليّ بن أبى طالبب «رضى الله عنه» تولى إمارة المؤمنين فرفض ذلك أيضًا... فألحوا عليه فى السؤال والطلب فجلس فى بيته .. ولكن الناس دخلوا عليه فى بيته وفى مقدمتهم طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وقالوا له: «إن هذا الأمر لا يمكن بقاؤه بلا أمير.. وألحوا عليه فى أن يقبل الإمارة.. فقبلها عليّ بن أبى طالب «رضى الله تعالى عنه» بعد إلحاح المسلمين الشديد...
وهذا يعكس مدى عدم تمسك الإمام على بأى أمر من أمور الدنيا لأنها زائلة.. فهو يعرف قدر ومقدار هذهه الدنيا التى لا تساوى عنده جناح بعوضة!!!...
فهو شخص انقطعت صلته بالأرض.. فوصلت صلته السماء!!!... هذا هو على بن أبى طالب يا من لاا تعرفه؟؟!!.. هذا هو عليّ أبو الحسنين يا من لا تعطيه حقه؟؟!!... هذا هو عليّ الخليفة الرابع يا من تنكره؟؟!!... هذا هو عليّ أمير المؤمنين يا من تسفهه؟؟!!.. هذا هو عليّ الإمام يا من تتأول عليه؟؟!!... رحم الله إمامنا عليّ بن أبى طالب وجزاه عن الأمة الإسلامية خير الجزاء وأفضله..
حديثى إليك يا من تجرى وراء الدنيا الآن تبيع فى كل ذلك نفسك وكرامتك وشرفك واسمك وأهلك ودينكك!!!... ودون حياء أو استحياء!!..
أيها القزم !!.. اللا شيء!!!.. لتتحدث عن الإمام عليّ وصحابة النبي.. هؤلاء الأسياد الذين تحاول أنن يكون لك شأنًا بينهم عن طريق سبابهم أو التطاول عليهم .. تحاول أن يكون لك وزنًا!!!!... وكلما اقتربت منهم سببًا.. كلما خف وزنك فأصبح ضبابًا أسود ...!!
وكذلك حديثى أيضًا إلى يلصقون أنفسهم يحاولون أن ينتسبوا إلى الإمام عليّ زورًا وبهتانًا.. أقول لهم: إنن الإمام عليّ بريء منكم.. ولو كان بيننا الآن لكان أول من حاربكم وواجهكم.. والله لو كنت تعرفون حق معرفته لكنتم تعظمنه حق تعظيمه ولكن دون أن تؤلهونه..
وهكذا قبل الإمام عليّ أن يتولى الخلافة.. وبعد أن جدد الناس من «أهل الشورى» بيعته فى منزله.. دخل المسجد فبايعه الناس البيعة العامة.. يوم الجمعة لخمس بقين من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة.. صعد بعد ذلك الإمام عليّ بن أبى طالب «رضى الله عنه» إلى المنبر وخطب أول خطبة بعد أن تولى الإمارة... فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن الله تعالى أنزل كتابًا هاديًا بيّن فيه الخير والشر.. فخذوا بالخير ودعوا الشر.. إن الله تعالى قد حرم حرمًا مجهولة... وفضّل حرمة المسلم على الحرم كلها.. وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين... والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق... لا يحل لمسلم أذى مسلم إلا بما يجب.. بادروا أمر العامة... وخاصة أحدكم الموت.. فإن الناس أمامكم.. وإنما خلفكم الساعة تحدو بكم.. فخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر بالناس أخراهم.. واتقوا الله عباده فى عباده وبلاده.. فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم.. ثم أطيعوا الله ولا تعصوه.. وإذا رأيتم الخير فخذوه.. وإذا رأيتم الشر فدعوه»..
هكذا بدأت المهمة الشاقة لإمام العادلين وسيد وولى المتقين سيدنا عليّ بن أبى طالب.. بدأت أعماله التىى سجلها التاريخ.. والتى تتحاكى عنه كلما حكينا سيرته... لأعود وأقول: إنه الإمام عليّ.. إنه عليّ!!...
إنــــــه عـــــــــليّ..
الذى محا آثار الجاهليّة.... إذ أنّه أرسل أبا الهياج الأسدى لطمس التماثيل وتسوية القبور ومحو تلكك التماثيل فى البلاد... لمنع محاولة تقديس القبور أو عبادة هذه التماثيل....
إنــــــه عـــــــــليّ..
الذى أبطل الاعتقاد بالكواكب.. إذ إنّه عندما أراد «رضى الله عنه» الخروج لقتال الخوارج ظهر له منجِّمٌٌ «عراف» ونصحه بأن لا يخرج... لأنّ القمر فى العقرب «يعنى برج العقرب» وهذا سيؤدى إلى خسارتهم فى الحرب... ولكن عليًّا «رضى الله عنه» أصر على الذهاب والقتال لإبطال ذلك الاعتقاد بالكواكب وبالفعل استطاع بفضل الله القضاء على الخوارج....
إنــــــه عـــــــــليّ..
الذى اهتم باحتساب فى مجال الأسواق... ونظّم شئونها.... وحث التجار على التعامل بالشرع الحنيفف... حيث قام ببناء السجون وولاية الشرطة... خاصة وأن كانت وظيفة الشرطة إحدى الوظائف المهمة المعروفة آنذاك.... وبعدها بنى سجنًا فى الكوفة سمّاه «نافعًا»....
إنــــــه عـــــــــليّ..
الذى أبقى على أسلوب القضاء كما كان فى عهد من سبقه من الخلفاء..... وقد كان يريد أن يدخلل التغييرات التى تتناسب مع ما طرأ من تطوّرات فى المجتمع..... إلا أنه أجَّل ذلك حتى تستقر الأمور الداخلية للدولة الإسلاميّة...
هذا هو الإمام عليّ بن أبى طالب «رضى الله عنه».. الذى ما عكست السطور القليلة ولا الكلمات الصغيرة.. قدره ومقداره ومكانته.. هو بحق شخصية لا يمكن أن توصف.. كم كان عظيمًا زاهدًا عابدًا مطيعًا لله ولرسوله ولأولى أمره «رضى الله عن عليّ وكرم الله وجهه»...
وإذا كان هذا العرض لجانب من حياة الإمام عليّ لمنزلته «رضى الله عنه».. حتى يتبين الخيط الأبيض منن الخيط الأسود.. حتى يظهر للجميع من هو عليّ ابن أبى طالب؟؟!!.. الذى تناله الألسنة وتتحاكى عنه الشخصيات المريضة.. ويتأول عليه أصحاب الأقلام التى لا تعرف الله ولا تعرف قدر أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم».. أو لأنها تعرف مقدارهم!!!.. فتحاول بنفس ملأتها الخسة والنذالة أن تجعلهم مرمى للشبهات الباطلة والمضللة... لعلهم يجدون لهم مكانًا فى ذلك المشهد العظيم قدر عقولهم الضيقة ونفوسهم المريضة.. وإفلاسهم السافر السفيه.. لمجرد ربط أسمائهم بتلك الصحبة الطيبة المباركة المكرمة الشريفة !!!...
ومرت الأيام وعاش عليّ وفيا كما كان فى عهده الطويل لله عزوجل ولرسوله «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم».. وكذلك لخدمة دينه الإسلام.. تلك الرسالة التى أودعها الله سبحانه وتعالى بين يديه حين أذن له أن يكون رابع الخلفاء الراشدين..
ولكن لتكون الدنيا دنيا ولا يبكى عليها الصالحون فما بال آل البيت والصحابة الكرام العظام.. لابد وأنن يكون مصابهم فادح جلل عظيم.. حتى نتأكد أن الدنيا حقًا هى دار الابتلاء حتى لا نحزن فيها على ما هو فات.. ولا نفرح بما هو آت.. وقد صدق الرسول الكريم الذى قال: «أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل»...
مات رسول الله .. ومر زمن على الرسالة لا تزال حية ولكن فى قلوب من رحم ربى إلا أنها ماتت فى قلوبب الكثيرين.. يكاد يكون الغلبية العظمى.. لا يزالون يتناحرون على الدنيا وكأنهم مخلدون.. تناسوا أنهم جاءوا إلى الدنيا من أجل عبادة الحى القيوم.. فالدنيا مجرد طريق عبور.. يتكالبون عليها يتصارعون من أجلها.. يرتكبون كل المحرمات والموبقات... من الشرك بالله.. وإعلان الإلحاد والتباهى به.. والتطاول على الذات العلية والحضرة الإلهية وترك السنة المحمدية.. مما جرأ أعداء الإسلام للنيل من رسول الدعوة الإسلامية.. والإطاحة بكل ما جاء فى الدستور .. دستور الإسلام.. القرآن الكريم.. وقد تجرءوا عليه أيضًا يحاولون تشويهه بالتطاول عليه.. فضلًا عن حرقه ودهسه بالأقدام..
استباحوا كل المحرمات .. استباحوا الزنا.. وأعلوا شعار الربا.. وهتكوا العرض.. وباعوا الأرض.. ولمم يرحموا ضعف النساء .. سمحوا بإهدار نخوة الرجال.. سمحوا بتشريد الطفولة واغتيالها... سمحوا بهتك حرمة دماء المسلم.. سمحوا بكل صور الفساد الأخلاقى فى كل مجالات الحياة..
ضربوا عرض الحائط بكل ما جاء فى القرآن.. فكان أرذله عقوق الوالدين والخيانة والغدر وبيع الأوطان.. ثمم كانت الموضة الأخيرة لتكون العرف الذى يتربع على عرش المسلمين الآن.. السحر وغلبته ليتمكنوا من الدنيا قدر الاستطاعة.. يحاولون به الوصول إلى أهدافهم ومبتغاهم..
بدلًا من أن يحيوا الدين ورجاله بسرد سيرهم الشريفة بأحياء النفوس والضمائر.. يحاولون طمس معالمم هذه السير الكريمة وعلى رأسهم آل البيت والصحابة الكرام..
لكن والله ومهما طال من العمر ومهما قدر ليّ من العمر لن أموت إلا وليس على لسانى حديث سوى اللهه.. ورسول الله.. وآل بيت رسول الله.. وصحابة رسول الله.. والله ولو كره الكافرون.. ولو كره الفجرة المجرمون..
إنها حكاية بشر فى كل زمان ومكان.. أكتب إليكم وأنا أشعر بغصة شديدة وأنتظر وأدعو الله سبحانه وتعالى بتعجيل نهاية الدنيا... فعند كتابتى وحديثى عن قضاء نحب آل البيت والصحابة أكون حزينة جدًا... ولا أجد متعة فى الدنيا ولا أمان بها إلا بذكر الله فيها..
لأنى أشعر مع غيابهم.. أنها قد فقدت معان كثيرة.. لماذا؟؟!!.. حين لم تجد عيناى ما كان من وصية رسولل الله .. بما يحمل ذلك الحديث من حولي.. «تركت لكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدًا كتاب الله وسنتي........»...
متثاقلة.. أعود إلى سيرة الإمام عليّ فى أكبر مصاب.. مصاب فادح.. مصاب آل البيت العظيم.. حتىى أستمر فى الحياة.. أحاول بكل مساوئها أن أقتدى بعقيلة بنى هاشم السيدة زينب.. وهى تعيش تلك اللحظات الأليمة فى وداع سيدنا ومولانا الإمام عليّ..
فبعد خمس سنوات من العمل المضنى الإسلامى المشرف لرابع الخلفاء الراشدين الإمام عليّ.. كان ابتلاءء الدنيا ليكون ذلك الألم الدامى العصيب على آل البيت وعلى كل محب رسول الله.. حتى نحشر معهم ببركة انتمائنا لهم ومحبتنا لهم ودفاعنا عنهم الذى لا ينتظرونه ولكن من فرط حبنا لهم وواجبنا لهم.. وحقهم علينا ..
فبعد ما كان يخوض المعركة تلو الأخرى.. يعود سالمًا غانمًا.. ولم يهدأ عن ظلم أو كفر حتى كانت ليلةة ليلاء.. فى ١٩ من شهر رمضان سنة ٤٠ هجريًا.. وقد خرج الإمام ليصلى بالناس بالمسجد الأعظم بالكوفة.. وسط همهمة القرآن الذى كان لا يزال فى ذلك الآوان قبل الفجر.. قولًا وعملًا.. لكن الدنيا تخلو حتى رغم ذكر القرآن العالى حينئذ من الخيانة والغدر .. من الخونة الغادرين..
وفور دخوله المسجد لم يكن يعرف الإمام عليّ بما خطط له وحيك من قبل جماعة الخوارج.. إذ أنه «رضىى الله عنه» قاتلهم فى معارك كثيرة منها «معركة النّهروان» حين انتصر فيها عليهم وقتل الكثيرين..
فبيّت هؤلاء الخوارج فى اجتماع لهم قتل ثلاثة من قادة المسلمين منهم الإمام على ابن أبى طالب خليفةة المسلمين، ووالى الشّام معاوية بن أبى سفيان ووالى مصر عمرو بن العاص..
وقد قرّروا إرسال ثلاثة لتنفيذ تلك المهمة إلا أن اثنين منهم فشلوا فى تنفيذ هذه المهمّة بسبب الحراسةة المفروضة على واليى مصر والشّام بينما تمكّن الثّالث ويدعى «عبدالرّحمن بن ملجم» من التّربّص بالإمام عليّ وهو خارج إلى صلاة الفجر فى مسجد الكوفة فضربه اللّعين على رأسة فابتلّت لحيته بالدّماء... تحقيقًا لنبوءة النّبى لعليّ بذلك.. الذى قال له «صلى الله عليه وعلى آله وسلم»: «أشقى الناس الذى عقر الناقة، والذى يضربك على هذا - ووضع يده على رأسه - حتى يخضب هذه «يعنى لحيته»... وبالفعل ضرب الإمام عليّ على رأسه على النحو الذى أشار إليه رسول الله.. ضرب عليّ.. ضرب ضربة فجرت الدماء من رأسه حتى غمرت لحيته ووسط الألم والدماء صاح الإمام على عند ضربه بالسّيف غدرًا.. هاتفًا: «فزت وربّ الكعبة»!!...
نكتفى بهذا القدر المؤلم المؤسف المحزن من سيرة رابع الخلفاء الراشدين الإمام عليّ..وذلك لإسكات الكلابب التى تعوى بين الحين والآخر ولا ترحم شرفاء البشر حتى فى أصعب لحظات حياتهم.. بل وبعد وفاتهم..
ونستكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله.. إن قدر لنا الحياة والبقاء ..