عندما يكسو الغش الحياة
هالتنى هذه النوعية من الجرائم التى عادة ما تصل إلى
مسامعى أو عينى بين الحين والآخر، مما تأخذنى دهشة
شديدة لما آلت إليه الحياة من حولنا.
حياة كساها الغش والخداع، حياة متنفسها الخيانة والتدليس والتضليل،
حياة فقدت معناها وهشت علاقتنا فيها وتقطعت أواصرنا عندها وتمزقت
وماتت ضمائرنا بينها.
حياة أصبحت تغشاها الأشباح وتملؤها الوساوس وتغطيها الظنون، حياة
منطقها المادة ودينها الجديد المصلحة الشخصية.... عنوانها الذاتية.....
شعارها الأنانية......
حياة رضيت أن تخضع لسلطان الشهوة وتركع لها، وتؤدى فروض الولاء
والطاعة فى استسلام تام.
تغيرت كثيرًا هذه الحياة عن فترات قليلة سابقة وقفزت
قفزات نوعية من الخسة والأنانية، حتى أصبح شعور الأمان
فيها مفقودًا والخوف مولود وانعدام الثقة ممدود، غابت عنها
شمس القيم والمبادئ.
فى ظل هذه الحياة لا يمكن لقانون مهما بلغ أن يحكمها أو أن يحافظ على
ما تبقى منها أو حتى يحاول أن يستعيد جزءًا من نضارتها وحيويتها، أو يرد
لها مفقودها من المبادئ والمثل.
يقف المرء متعجبًا لهذه النوعية من الأطباء الذين بلغوا من العلم المكان
المرموق، والمكانة المتميزة، ومع ذلك ضيعوا كل هذا من أجل حفنة من المال،
مهما بلغت فهى رخيصة أمام شرف المهنة، وثقة الخلق وأمانة الوظيفة.
هل يعقل أن نخبة من أساتذة الطب فى مصر يؤسسون شركة لتجارة
الأعضاء البشرية؟؟؟؟؟ ونقلها ونزعها وبيعها!!!!!!!!! مما تسبب فى حدوث
عاهات مستديمة لأشخاص أبرياء ووفاة بعضهم، علمًا بأنها جريمة تصطحبها
جرائم أخرى من الخطف والسطو فضلً على الغش والتدليس وفقدان الثقة
والضمير.
هذه الجرائم يعاقب عليها القانون بالسجن، وإن كان مشددًا وغرامة وإن
كثرت، فهل هذا يكفى؟؟؟؟!!!!!!
إن قتل النفس التى حرم الله قتلها أو التسبب فى قتلها بعد خطفها أو
التغرير بها، أتكفى فيها هذه العقوبة؟؟؟؟
إننى لأقول إن قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010 ، فى حاجة
إلى تعديل يتناسب وجرم الجريمة، ومكانة الجانى.
هل يعقل أن تسفر حملات التفتيش على الصيدليات ببعض
المحافظات عن هذا الكم الكبير من الأدوية المغشوشة؟؟؟؟؟
أو المحظور بيعها؟؟؟؟ أو المهربة؟؟؟ فضلً عن أدوية المؤثرات
النفسية والعقلية؟؟؟ التى بلغت مستوى ينذر بالخطر
والضرر، الذى لا يحمد عقباه، منها «تامول إكس » وهى نوعية
من أدوية المؤثرات النفسية المهربة وغير المسجلة والمدرجة
على القسم الثانى من الجدول رقم 1 الملحق بقانون المخدرات.
والتى لها من التأثير البالغ على الجهاز العصبى وعلى العمليات العقلية
وتسبب حالة من النشوة «الكاذبة » والفتور والدعة والتخدير والتنويم وفى
بعض الأحيان التنشيط.
إلى هذا الحد بلغ الانحطاط والغش فى المجتمع؟؟؟!!!!! فضلً عن
الانحراف عن السلوك القويم والعمل المستقيم، لذلك تعالت أصوات العقلاء
بضرورة زيادة تجريم الغش والتدليس فى صناعة الأدوية مما تتضمنه من
أضرار متعمدة بصحة الإنسان المريض، لتصبح كعقوبة القتل العمد «تغليظًا
للعقوبة » علمًا بأن قانون الغش والتدليس سواء رقم 48 لسنة 1941 أو المعدل
بالقانون رقم 281 لسنة 1994 ، تتراوح العقوبة فيهما بين الحبس فى مدد بين
السنة والخمس سنوات وغرامة مالية متفاوتة
لقد ساد الغش مجتمعنا وعلا فيه الطمع، حتى وإن كان على حساب الآخرين
وحياتهم وصحتهم وتزايد حتى بلغ مجال المواد والمنتجات الغذائية والطبية،
فضلً على التعليمية فإلى متى نستسلم لهذا الداء العضال الفتاك؟؟؟؟؟!!!!!!
الذى بلغ مداه ونخر فى عظام أمتنا، حتى أفقدها أعز ما تملك «الأمانة –
الشرف » وأغلى ما يقتنى «الثقة – الرضا .»
لم تعد القوانين كفيلة بالقضاء عليه أو الحد منه أو حتى
مواجهته أو ملاحقته، لذلك فإننا فى مسيس الحاجة، ليس
فقط فى وضع التدابير الاحترازية للحيولة دون المزيد من
انتشاره من تكاتف الجهود من سائر المؤسسات والجهات المعنية
ومن تشديد الرقابة، ولا حتى بتتبع الجريمة والحيلولة دون
ارتكابها.
وإنما فى حاجة إلى صحوة ضمير.
فى حاجة إلى الرقابة ولكن الذاتية التى تنبع من الأخلاق والفضائل، كما
أننا فى حاجة إلى الدين الذى يملى على صاحبه المعانى النبيلة والقيم الأصيلة
ومن هنا نستطيع أن نواجه هذه الأخطار المتلاحقة، والأضرار البالغة التى
تحيطنا جراء انتشار هذه الظاهرة الخطيرة والمتمثلة فى الغش بكل صوره
وأشكاله.
إن نبينا صلى الله عليه وسلم يكشف لنا عن العلاقة القوية بين العقيدة
والسلوك، بين القول والفعل، فى قوله صلوات الله عليه: «لا إيمان لمن لا أمانة
ولا دين لمن لا عهد له » صدق الرسول الكريم، كما أنه صلوات الله عليه قام
بجولة تفتيشية فى السوق ليطمئن على أحواله بنفسه، فأدخل يديه فى «صبرة
طعام » فنالت أصابعه بل لً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟؟؟ فقال أصباته
السماء يا رسول الله، قال أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟؟؟ من
غشنا فليس منا.
أين نحن من قول الله تعالى {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ
يَسْتَوْفُون، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (سورة المطففين من الآية 1 إلى
الآية 3(.
إننا فى ضرورة ملحة لهذه التربية وتلك النشأة التى تقوم على نبذ كل ما
يعتدى على الناس بالغش، وتدفعه بعيدًا عن دوائر المتمسكين بالخلق والدين،
إننا فى حاجة إلى استدعاء هذه الثقافة التى تربينا عليها في صغرنا وتعودنا
على فعلها كبارًا، ففيها النجاة ومعها السلامة والاستقرار وبها نستنشق عبق
الأمن والأمان.