ماهر المهدي يكتب-نجاة مواطن كل دقيقتين
الأغانى العاطفية تصدح بمشاعر الحب وتصور دفء الأحاسيس وأمان الركون إلى شخص يحبنا ويتعلق بوجودنا فى حياته وتطلق لخيالاتنا العنان ليجوب كل الأماكن الحلوة والبقاع الجميلة ويتسوق لنا كل ما نشتهى من بيت رائع وسيارة فارهة وأعمال مزدهرة وواعدة بالخير الواسع والسلام المتجدد.
ولكنها فى النهاية أغانٍ جميلة قد تعبر عن قصة حقيقية عاشها كاتب الأغنية أو عاشها أحد غيره، وقد لا تعبر إلا عن قصة ولدت من قلب الأمانى والأحلام، وكذلك تقدم الأفلام والمسلسلات قصصًا وردية كثيرة عن المحبين ولقاءاتهم وألغازهم ونوادرهم وصبرهم ونفاذه وحلمهم وقدومه إلى الواقع وهروبه إلى عالم النسيان وفضاء المحبة الواسع البعيد، حيث لا يصل إنسان.
وربما كان من أجمل ما تصوره الأغانى والأفلام والمسلسلات هى لحظة اللقاء الأول والسلام الأول، وكيف يفرح المحبان بهذا اللقاء، وكيف يكون لقاءً غير محسوب ولا مرقوب ولا مرتب، وكيف يكون لقاءً ربانيًا بترتيب ربانى يريد أن يسعد قلبين ويجمعهما معًا لفترة قصيرة أو طويلة أو لرحلة الحياة.
والكل –ربما– يتمنى أن يصادف هذا اللقاء الفريد الجالب للحظ المشعل لشموع السعادة المنير للفرح ولأيام العمر الحاضرة والمقبلة وربما الفائتة أيضًا، وبفضل هذا الجو الرومانسى الخلاب الذى يشعل الجو أملًا واشتياقًا إلى لقاء يغير حياتنا، يصبح الجميع رجالًا ونساءً مستعدين لتلقى سهام كيوبيد فى قلوبهم وهم يعبرون الطريق أو وهم فى المكتبة أو وهم فى وسيلة للمواصلات أو وهم فى الجامعة أو وهم فى الطائرة أو فى الخارج، والواقع أن الكل يصبح مستعدًا للإصابة بتجربة حب والسلام ولا يدرى إن كان سهم كيوبيد صدر عن كيوبيد إله الحب والمودة، أم صدر عن نصاب أو نصابة درب نفسه أو دربت نفسها على الإيقاع بالباحثين عن كيوبيد الذى لا يعرف شكله أحد ولا يدرك كنهه رجل ولا امرأة ولا يطلع على مكنونه خبير، فيقدم النصاب أو تقدم النصابة صورة من صور كيوبيد الوسيم ويذهبان بعقل الضحية فور وقوعها فى الشباك ويستمران على أن تنتهى القصة الوهمية بافتضاح أمر سهم كيوبيد وتغيره لونه من الذهب إلى الرمادى فالأسود وتساقط نسيجه كعود ثقاب أكلته النيران.
وحين يحدث ذلك، تسدل الستار السوداء على حكاية فرح تحولت إلى مأتم حزين قصير العمر أو طويل العمر، بحسب الشخص وقدرته على امتصاص صدمات الحياة وتقلباتها غير المحببة أحيانًا، وفى كل الأحوال، فإن مسيرة الحياة لا تتوقف لحظة، ولا يتوقف عداد العمر ثانية عن الدوران، ليستحثنا على النهوض من عثراتنا والخروج مما قد نتعرض له من مقالب ساخنة حينًا من الدهر ومواصلة السعى ومصادقة الأمل والمنى من جديد، مع تذكر دروس الماضى وعظات المقالب السابقة بالطبع، وإلا فلا يلومن المرء أحدًا إلا نفسه، فأنت من رأيت وأنت من سعيت وأنت من صدقت وأنت وثقت وأنت من خطوت واخترت.
فى كل الأحوال، يبقى كيوبيد بريئًا ذهبى اللون عف السيرة عبق الرائحة كصباح يوم مبهج مليء بالانتصارات وبالفوز والأمل وبالأمانى وبما يشرح الصدور ويبهج الأعين ويسر القلوب ويبشر العقل والمنطق، وفى كل الأحوال يظل من حاول أفضل ممن لم يحاول شيئًا، ويظل المقدام والشجاع أثرى تجربة وأقرب إلى الفوز بالمراد ممن يجبن عن التجربة ويرفض الاقتراب ممن أمامه خوفًا من الفشل وهروبًا من خيبة الرجا وضياع وهج التمنى، ولا يوجد طريق معين يسلكه كيوبيد إلى قلوب الناس.
المهم أن كيوبيد لا يعرف طريقًا معينًا إلى قلوب الناس، فلا يلزم أن تقابله صدفة فى الطريق أو فى مكان عمل أو فى رحلة أو فى مقهى وبدون سابق معرفة أو سابق ترتيب، ولكن يمكن أن يقابلك كيوبيد بأى شكل، ولو بقليل من ترتيب مسبق، فالصدفة البحتة قد تأتى بخير كثير، وقد تأتى بشر كثير أيضًا مما لا يحب المرء السقوط فيه، فقليل من الترتيب المسبق قد يفيد كثيرًا ويغنى عن هم كثير لاحقًا ومشاكل كبيرة، لأن المظاهر خداعة، وما أكثر من يجيدون المظهر الجذاب وهم ينطوون على باطن مغاير وربما شرير، وفى رحلة الحياة، لا ينتظر العمر أحدًا، ولذا، فلا يهم حقيقة كيف نلتقى بشريك العمر الطيب المحب، بل المهم أن نلتقى به يومًا ما، ولو فى زيجة صالون، حغظ الله مصر ورئيسها ووفقه إلى الخير كله.