حتمية الحدود
ماهر المهدى
الحدود من لوازم حياة الإنسان وجزء من طبيعته التى تعينه على الحياة ولا تصلح حياته إلا بها، والله واسع عليم يشمل كل شىء بعلمه ورحمته وقدرته وصفاته الإلهية ولا يكون إلا كذلك، وهذا رحمة وعدل من فضل الله تعالى. وكل رغبة من جانب الإنسان فى تجاوز الحدود تسقط به فى دوائر العجز والفشل لاجترائه على ما ليس له به علم وما ليس له به قدرة. ومع ذلك فحلم الإنسان المتعلم المثقف والإنسان متكامل التعليم والإنسان قليل التعليم أن يعلو على قدراته ذاتها. وجميعهم يحلمون ربما جميعا بتجاوز الحدود وتخطيها، وهو الأمر الذى لا يتحقق بالطبع فى الغالب الأعم من المحاولات التى تنتهى بالفشل والإحباط والانكسار والإنكار أو تنتهى - فى أحسن الأحوال - بإدراك المرء أخطائه وتسرعه وإغفاله لكثير من الحقائق وحاجته إلى العودة إلى جادة الصواب وحسن التقدير. والمعضلة تبقى فيمن يقرر لنفسه وللغير مسارات الحياة التى يتعين عليه وعلى تابعيه سلوكها، ثم هو يرفض الحقيقة ولا يحب أن يسمع إلا ما يمجد قدراته وحكمته حتى ولو كان قليل الحكمة نذر المهارة نادر التوفيق. ولو كانت حكمة الإنسان مما يتمتع به الناس جميعا لما وقعت مشاكل كثيرة، ولكن الحياة تؤكد أن الحكمة ليس مما أوتى الناس جميعا وإنما فقط البعض القليل من الناس. والحدود تحيط بنا وتحيط بالناس جميعا وبكل ما حولنا فى كل لحظة، ولذلك يبقى السؤال القديم الجديد مشتعلا لا تطفئه إجابة: لماذا يصر الإنسان على تجاهل الحدود سواء كانت باهتة لا يكاد المرء يراها أو كانت واضحة لا تخطأها عين؟ إن الأذكياء بعرفون أنفسهم وينتبهون إلى الحدود ويعرفون للحدود قدرها، لأن من قطع الحدود قطعته. والأغبياء يتوهون عن أنفسهم وعن أهدافهم ويتصورون أن ما أصابهم من بعض نجاح باهت كان عملا ذكيا باهرا من عند إبداعهم، ويتصورون أنهم أكبر من كل الحدود وهم يرون من كان خيرا منهم وهو يسقط إلى قاع التاريخ فى ظروف سينمائية لا يكاد المرء يصدقها على أرض الواقع. إن الحد الأدنى من الحدود يغنى عن كثير من المهالك المنظورة وغير المنظورة، ويتيح الفرصة لحسن التنبؤ بمسيرة الأحداث، على الأقل فى المستقبل المنظور.