شوفي يا مصر
حفلات التاكسي الإجبارية
كم هو رائع هذا الشعور الذي يعتريك وأنت تهبط من بيتك آمنا إلى شارع آمن هادىء لا يعكر صفوه نداءات صارخة لبائع متجول ، أو أصوات متصاعدة لآلات تنبيه متباينة النغمة راح أصحابها يطلقونها طواعية " لينظموا " المرور بها في الشارع ويفسحوا بها لأنفسهم طريقا .
كم هو رائع هذا الشعور الذي يخامرك وأنت تسير في شارع نظيف لا يحتله المتسولون بعاهات حقيقية أو مصطنعة أو أحدثوها بأنفسهم ليبتذوا أموال الناس وهم جالسون على رأس الطريق ومنحنياته ومداخل المطاعم والبنوك ومحطات البنزين.
كم هو مريح أن تسير في طريق مستو لا تتعثر فيه في حفرة أو أكوام من القمامة لم تجد من يتولاها بمسئوليته المنوطة به .
كم هو آسر، أن يتم اصلاح الطريق وتجديده في عدة أيام أو أسبوع أو أسبوعين، فيصبح أفضل وأكثر سلاسة لسير البشر والمركبات، وألا تشق جوانبه وقلبه ثم يترك جريحا مشوها يؤلم عينيك وقلبك وقدميك وسيارتك ومنزلك ومحلك وقلوب السائحين وأعينهم لعدة شهور متتالية مصلوبا على علامة استفهام حمراء ضخمة ومتواصلة التضخم كمرض خبيث .
كم هو رائع أن نرى أنفسنا نصطف في صف واحد عند كل منفذ لشراء سلعة أو طلب خدمة بلا ضجيج أو نزاع وصياح أو تحايل على الصف، كم هو ضروري أن تكف " حفلات التاكسي الإجبارية " عن اغتصاب هدوء الناس، ومضايقتهم بضجيج موسيقى سائقي التاكسي ، وتلويث أسماعهم بالأعمال الفنية الدنيا صباحا ومساء بلا تمميز .
كم هو مبهر ألا تقترن برامج الأخبار بالغناء.. أفلا تتعارض جدية البرامج الإخبارية والنشرات الإخبارية بكل ما تحتويه من أنباء ثقيلة ومحزنة مع الغناء والطرب، حتى ولو كانت أغنية وطنية ؟! أفلا تتعارض كل هذه الخطورة التي تفوح بها رائحة البرامج الإخبارية والنشرات الإخبارية، وهى تبث أحداث الموت والدمار والإرهاب والانفجارات المدوية هنا وهناك مع خفة الغناء والموسيقى الراقصة ؟! أفلا تتعارض جدية المشروعات العملاقة وخطب الزعماء وتصريحات المسئولين عن الواقع ومسئولياته والمستقبل ومستلزماته مع خيال الغناء ورواحة الموسيقى في كل وقت ؟!
هل يسعدك أن تحدث أحدا عن وفاة أحد ما – ولو كان غريبا لا تعرفانه كلاكما – فيضحك ملء شدقيه، أو يتمطع في حبور ويقول : ما أعذب أخبارك ؟!
قد يشاركني البعض في إحساسي بالامتعاض من مصاحبة الموسيقى والغناء – مع حبي واحترامي كشاعر للغناء وللموسيقى – لبرامج ونشرات الأخبار . ولا أرى – حقيقة - معنى لهذا الربط الغريب الذي لم ألحظه في بلاد أخرى .
بل هو ربط يزيد من إحساسك بضجيج الشارع وصخبه الممجوج الذ أتمنى أن نجد له ضابطا يرد اليه بعضا من الوقار . أن هذه الأمواج من الضجيج تعكر صفو الحياة في كل موقع ، وتفسد كثيرا ولا تصلح ، وتهبط بالذوق العام ، وتهدد قدرتنا على السمع .
وقد تكشف حملات المسح الإحصائي عن تردد الكثيرين منا على العيادات الطبية للعلاج من ضعف السمع أو لشراء أدوات مساعدة على السمع تعين على مواصلة الحياة .
الضجيج هو حياة بلا إبداع .. حفظ الله مصر ووفق رئيسها المخلص وقادتها .
ماهر المهدي