دعوة لنبذ العنف فى العالم
آخر ما كتبه عميد الحقوقيين الليبيين الأستاذ عبدالله شرف الدين الذى رحل أخيرًا عن عالم الأحياء، كراس صغير أسماه «تطلعات بشرية» ينقل فيه بعض خبراته وتجاربه وخلاصة هذه الخبرات والتجارب التى استقى معظمها من عمله رئيسًا للمنظمة الدولية لمكافحة العنصرية على مدى أكثر من أربعين عامًا، فى مقرها بمدينة جنيف، ضمن منظمات المجتمع الدولى ذات الارتباط الوثيق بمنظمة الأمم المتحدة.
بين القضايا التى أثارها الراحل الكريم الأستاذ شرف الدين فى كراسه هذا، قضية السباق من أجل إنتاج وبيع وانتشار السلاح فى عالمنا المعاصر، إذ يقول فى مستهل حديثه عن هذا الموضوع، «وأشدّ هذه المعوّقات التى نشاهدها فى هذه السنوات هى هذا الصراع الدموى الذى انتشر بين البشر فى كل بقاع الأرض، وأصبح هذا السلاح النارى المنتشر فى كل أرجاء المعمورة من مسدسات وبنادق ورشاشات، ثم المدافع والصواريخ والدبابات والقنابل والمتفجرات بجميع أنواعها، نقول أصبح هو الوسيلة للتفاهم حتى بين الأخ وأخيه، كأن البشرية قد فقدت عقلها ووسائل تمييزها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد حاول الكثير ممن يتالّمون لهذه الأوضاع شبه المجنونة أن يوقظوا جوانب الخير والصلاح فى إخوانهم بنى البشر، وقد ساهم العبد لله فى هذا السبيل بالإلقاء كلمة بالخصوص فى مؤسسة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والتى تجتمع بجنيف كل سنة، لعله من الأوفق نشرها من جديد، ومن يدرى ربما مثل هذا النداء أو الصراخ يوقظ الجانب الإنسانى فى بنى البشر، ولكن هل أفاد فعلًا هذا النداء، أو المحاولات المتعددة بالخصوص من بعض العقلاء فى هذه الأرض؟؟!! لا أظن ذلك، ولكن لا بدّ على أى حال من الاستمرار بمثل هذه المحاولات»، ويضيف قائلًا إن هناك ألف مليار دولار ينفقها العالم سنويًا فى صناعة السلاح وتجارته واستعماله فى سفك دماء البشر هنا وهناك من أرجاء الأرض.
ويقترح فى خطاب آخر ألقاه فى نفس المنتدى منذ العام 2002 إيقاف هذا السباق المدمر المجنون لتصنيع واقتناء السلاح والمتاجرة به ويقتبس قولًا للرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور يقول فيه «إن كل مدفع أخرجته المصانع، وكل دبابة جرت على الأرض، وكل صاروخ أطلق فى السماء، هو فى المعنى النهائى السرقة الأكيدة من الجائعين الذين لا يجدون طعامًا، ومن العرايا الذين لا يجدون ما يقيهم برد الصقيع، إن هذا العالم الغارق فى صناعة السلاح لا يبدد أموالًا فقط، إنه يبدد عرق العمال وعبقرية العلماء، وأمال أطفال المستقبل».
مع أن الكاتب فى كامل هذا الكراس وربما فى كل موضوع قاربه يريد به خير البشرية وإيقاف أجواء الحرب والهيمنة ثم سباق التسلح، إنما يتجه باللوم إلى أمريكا قبل غيرها، باعتبارها هى القوة العظمى فى العالم، وهى التى بدلًا من أن تسخر هذه القوة للخير ومنع الأذى، تفعل العكس، عندما تزكى حمى الصراع، وتدفع البشرية باتجاه الحرب بدل السلام، وتمارس الهيمنة والاحتواء، بدل الحرص على قيم الخير والأخوة الإنسانية.
وإذا كان الكراس توخيًا لخير البشرية، وأملًا فى إحلال السلام فى العالم، ورغبة فى خلق بيئة أكثر جمالًا وبهاء وإنسانية وحضارة تليق بقيمة الإنسان ووجوده، قد أرسل دعوته لنبذ سباق التسلح، والحد من استخدامه، وإحلال معانى السلام بدل الحرب، والتفاهم بدل الصراع المسلح، وحل المشاكل بالعدل والقانون بدل اللجوء إلى القوة، فإننى هنا أريد أن أدفع بهذه الدعوة خطوة إلى الأمام، وأضع أمام هيئة الأمم المتحدة اقتراحًا بإلغاء كافة أنواع السلاح، ليس فقط السلاح النووى، والأسلحة الكيماوية، والجرثومية، وإنما كافة الأسلحة المستخدمة الآن فى أيدى الجيوش، من مدافع، وطائرات مقاتلة، وبوارج حربية، وغواصات، ومتفجرات، وألغام، بل والأسلحة الخفيفة مثل المسدسات والبنادق، وتقف بالتالى كل مصانع السلاح عن صنعه، ويتم تدمير أسلحة الدمار الشامل تدميرًا كاملًا من كل العالم، ولا يتبقى إلا كمية محدودة فقط، لاستخدامها ضد العصابات.