مازال القلب ينبض بالأصالة
دعاني الأستاذ المطرب المصري المعروف محمود درويش مطرب الأوبرا بمناسبة زكرى العندليب عبدالحليم حافظ بدار الأوبرا المصرية ( مسرح الجمهورية ) أحببت أن أرصد الحدث بدقة كبيرة وقررت الكتابة فالحدث كبير لمطرب أسطورة فارقنا منذ41 عام أي ما يقارب نصف قرن من الزمان تغيرت بعده الموسيقى والنغم والذوق الفني وحتى البشر تغيرو أربعة مرات على مدى أربعة عصور متتالية إلا إنني تفاجأت بنفاذ التذاكر بمنافذ دار الأوبر لهذا شدّ إنتباهي من شعب مازال قلبه ينبض في حب حليم والوطن وأغانيه وموسيقى زمنه رغم إنه فنان بديل سيشدوا الليلة بأغانيه ..
حضرالجمهور بكثافة لسماع امتداده في صورة مطرب بنفس مواصفاته المريحة وفي حجم حليم وخفة ظله وطوله يغني ويتحرك على المسرح بعفوية وجمال بأغانيه ويُسمْعنا من حنجرته القوية الحساسة بحلاوة وجمال وفهم دون أن يغير اللحن أو الأداء وحتى الأجواء والأحداث أستحضرها درويش بتوافقات طبيعية محببة للنفس بألاته الموسيقية المطورة التي طوعها لخدمة توصيل أغانيه بحب وإحساس كالطلقات المفرحة التي تسعدنا ...
تمتلىء الصالة بالجمهور عن بكرة أبيها وكذلك البنوارات والبلكونات بجمهور راقي مهندم مبتسم حي يستمع ويتسلطن إنه جمهور حقيقي حتى الشباب الذي لم يعاصر حليم صفق بحرارة فالأغاني تمس مشاعره ووجدانه فمن خرج من القلب يصل للقلوب ..
انتبهت لشباب هذا العصر ينفعل ويتمايل أحس معه بالفرح والحب لمطربهم الشاب الذي أستطاع أن يربط بين كل هذه الأزمنة بجسور من الحرير القوي والملون المشع بالضوء إنها سيمفونية طربية موسيقية ملونة لم أصدق إن قلب مصر مازال ينبض بالأصالة والنغم ، انفصالت عن محيطي المجاور وعاد بي شريط الزكريات إلى منبتي بمحافظة الشرقية حيث قابلت حليم وأنا طفل على أحد الطرق ببلدتنا في صيف 64 توقف وسلم علينا وشجعنا على دراستنا وكان حليم مستعد لمثل هذه المواقف ( بالبنبوني ) وسألنا .. عارفين أنا مين ؟ .. طبعا أنت عبدالحليم وعارفين أغانيا .. هنا تحدثت وقلت طبعا وقلت على الفور بالأحضان / سواح / مغرور وأنت عمري .. وكانت الأخيرة لأم كلثوم لحظتها ضحك من قلبه وقال ( يابكاش ) وطلبت منه صورة مازلت أحتفظ بها وموقعة منه وعرفت كيف يكون الإنسان البسيط كبيرا وعظيما ومتواضعا لهذا أصبح أسطورة حية ..
كل هذا دار بعقلي وأنا أتابع الفنان محمود درويش ومع تعالي التصفيق والأستمتاع بالأغاني الوطنية الذي بدأ بها بأغنية ( أحنا الشعب ) ثم بالعاطفية ( نعم ياحبيبي ) التي لها وقع في القلب والوجدان فيتطابق النغم بحب وجمال وكأنها طلقات حماسية تهز الوجدان ونطابق القديم بالجديد بما لمسناه من الفنان محمود درويش إنه العندليب الجديد حيث تداخل الزمن الجميل في عقل ووجدان الجماهير وتداخلت في عقولهم الانغام والخطوط والألوان والنغمات بل روائح العطور القديمة التي اشممتها تنضح من الجمهور وتوحدنا مع جماهير الخمسينيات والستينات في لحظات حين نعود لاصالتنا نعود لعنفواننا ووطنيتنا لنكون حائط صد منيع خلف القيادة فدعونا نغني دعونا ننطلق بقوانا الناعمة لنستنسخ العباقرة والرواد من ناصر وعرابي وكل عظماء الوطنية المصرية وكل أعلام الفن والفكر والأدب ...
كل هذا أيقظه العندليب الجميل محمود درويش وأقتربت الليلة من منتهاها على أنغام الفرقة الموسيقية كنوز لنستمتع بأغنية أحلف بسماها وبترابها بطاقة لا مثيل لها وبعد مغادرتنا عاد الجميع إلا بيوتهم بسعادة إلا أنا قررت أن اتجول في شوارع القاهرة لأعيدها ولو بخيالي للزمن الجميل