شوفي يا مصر
البت بيضا.. مين المسئول ؟!
قاربت الساعة على منتصف الليل حين وضع المسئول الأجنبي المعتمد في مصر ممثلا لشركته الدولية الضخمة نظارته جانبا بعد قليل من القراءة والتدبر في بعض أوراقه وأشغاله التي يتعين عليه مناقشتها مع جهات أخرى في يوم غد ، وأطفأ نور المصباح الصغير واستسلم لتعبه ورغبته في النوم بعد يوم عمل طويل .
انتبه الرجل فجأة وقفز منتصبا في سريره بعدما غاب في نوم عميق - من فرط تعبه – على صوت رهيب في الحي الراقي الواقع على ضفة النيل .
راح الرجل يفرك عينيه بلطف ويبحث عن نظارته ليطالع ساعة الحائط الجميلة ذات الأذرع الطويلة المعلقة أمام سريره لعله يدرك ما يحدث .
ولكن الرجل تجهم ولمعت عيناه بالحيرة وبقليل من الغضب .
فقد كانت الساعة تشير الى الثانية بعد منتصف الليل ، بينما يمزق سكون الليل أسفل العمارة السكنية التي يقطنها أصوات جهورية لرجال يرددون جملة انشادية واحدة " يا رسول ألله يا حبيب ألله " على وقع طبلة مدوية ويعيدون تكرارها في موجات صوتية متباينة ، ثم يقطعها صوت أحدهم صائحا : أصحوا يا عباد ألله .
وظل الحال على هذا قرابة نصف الساعة ، حين تغيرت الجملة الإنشادية الدينية الى مطلع أغنية من أغاني الأفراح التي تقول " البت بيضا وأنا أعمل أيه " ليفتح الرجل فاهه لهذا الهراء الذي يعبث بخصوصية الناس .
فبعد سنوات من العيش والعمل في عدة دول عربية صارت قدرة المسئول الأجنبي على فهم اللهجة المصرية عالية .
ويبدو أن أصحاب الفرقة الغازية لخصوصية الناس والحي قد اندمجوا كثيرا في طبلهم وحماسهم ، فلم يدركوا لوهلة أهم في حفل زفاف أم هم يمزقون فجر يوم جديد في منطقة عامرة بالأجانب والمؤسسات الأجنبية والمسئولين الكبار .
اعتدل الضيف الأجنبي في جلسته في سريره ، وراح يمسك رأسه من الصداع ويتمتم لنفسه بكلمات المواساة والتعزية بأن هذه تقاليد شعوب وعادات دول ، ولكل شعب عاداته وتقاليده ، لعل رأسه يهدأ من جديد ويشرع في محاولة النوم مرة أخرى .
فقد مضت ساعة تقريبا منذ استيقظ مفزوعا من نومه العزيز ، وربما استطاع أن يعود الى نومه بعد قليل .
ولكن سؤالا واحدا بات يمسك رأسه : ماذا لو سكنت في حي آخر أقل رقيا ؟ ترى كيف يكون الوضع ، وكيف ينام الناس ؟ ولماذا وما الهدف من هذه الضوضاء ؟! أليس لهذه " العروض " ولهذه " الفرق " أماكن تمارس عملها فيها دون التعرض لراحة الناس وخصوصياتهم ؟ .. ألا يسألهم أحد ماذا تفعلون في هذه الساعة من الليل ؟! .. سكت الرجل لبرهة من الزمن استرجع فيها حياته في بلده الأوروبية ، ثم ابتسم لنفسه .
حفظ ألله مصر ورئيسها ووفقه وقادتنا الى ما فيه الخير .