نعم ولكن، لا تقتل أحدا فى بيتك!
نعم ولكن، لا تقتل أحدا فى بيتك!
ليس من الدين فى شيء أن يروع الإنسان حيوانا أبدا، وليس من الدين فى شيء أن تفزع حيوانا بإظهار سلاح فى وجهه ولو بغية الذبح الحلال، إلا بقدر ما يلزم للذبح فقط، فلا يصح أن يذبح حيوان أمام حيوان آخر ليروعوا جميعا ويفزعوا بمنظر السلاح وبمنظر الدم، فإن كان الإنسان أرفع درجة من الحيوان، فللإنسان أن يثبت أنه أرفع درجة من الحيوان، وذلك بعدم ترويع ضعيف دونما سبب يستوجب، وعلى الإنسان أن يثبت إنسانيته التى يدعيها، وليس على الحيوان عبء إثبات آدمية الإنسان وأفضليته على غيره من الكائنات.
إن للإنسان أن يذبح ما أحل الله من حيوان للذبح، ولكن للذبح الشرعى شروط يلزم مراعاتها، فيعد سكينا حادا مناسبا ويعد المكان المناسب، ولا يكون الذبح أمام حيوانات أخرى، ويتم تفادى إظهار السكين أمام الحيوان دون داعٍ، سواء عن قصد أو عن غير قصد، ويسم اسم الله ويذبح الحيوان بإحداث جرح قطعى عميق فى الرقبة لمرة واحدة فقط، ولا يكرر الجرح حتى لا يكون تعذيبا للحيوان، فليس ذبح الحيوان عملا يستخف به ولا عملا بطوليا ولا عملا للتسلية والضحك والاستخاف بآلام الحيوان، فذلك سلوك مشين ومسلك لا يسلكه إنسان سوى الطبع رزين العقل.
ولا يمكن لإنسان أن يقوم بذبح حيوان على ناصية محل عمله أو على باب شقته حتى يصرف الشيطان أو يصرف عين الحسود ويجلب الحظ لبيته أو لنفسه، أو ليحل عقدة لدى ابنه وما إلى ذلك مما يحكى الناس ويعتقدون فيه من المبررات التى لا تجد لها سندا مقبولا إلا اعتقاد من يقوم بذلك، فليس فى ذبح حيوان بهذه الطريقة سوى إيذاء النفس والغير وتعريض النفس والغير لخطر الإصابة بالأمراض الخطرة وتعريض الغير لمشاهدة هذه الصور المفزعة والمنفرة والمخيفة لقتل حيوان ما واسالة دمه هكذا على الطريق أو على سلم العمارة السكنية، وكأنه منظر لطيف محبب إلى الناس.
نحن حريصون على تشجيع السياحة وعلى اجتذاب السياحة الأجنبية إلى بلدنا وإلى ثقافتنا وإلى عاداتنا وإلى قرانا وإلى شوارعنا وإلى محالنا وإلى مدننا المختلفة، لأن السياحة أحد مصادر الدخل القومى الرئيسية فى مصر، وقد عانت السياحة كثيرا خلال السنوات الماضية وعانى العاملون فيها كثيرا كثيرا، بينما تبذل الدولة قصارى جهدها من أجل انعاش السياحة أو إحياء السياحة إلى مصر، وفى سبيل ذلك تبذل الدولة والشعب المال الغزير من أجل الدعاية لبلدنا كمقصد سياحى، فأى مقصد سياحى وأى مدينة جميلة تراق على أرضها الدماء وعلى أبواب بيوت سكانها وعلى نواصى محلاتها وعلى سلالم عماراتها السكنية هكذا جهارا نهارا، وتتحول شوارعها إلى مجازر مفتوحة ؟ وكلنا يعلم أن منظر الدماء وعملية الذبح ليسا بشيء محبب إلى كثير من الناس أيضا.
إن مصر تتقدم كل يوم وترجو أن تتقدم كل ساعة، من أجل رخاء شعبها وسعادته ورقيه، ولا يمكن أن نتقدم مصر ونحن نتمسك ببعض عادات سلوكية أملتها ظروف الحياة فيما مضى ولم يعد لها مكان فى عصرنا هذا وفى وقتنا هذا، فهناك المجازر وهناك الأطباء البيطريون وهناك وسائل النقل الكثيرة والمتنوعة، وهناك الشركات التى تؤدى من الخدمات ما لم يكن على بال أحد قبل سنوات مضت، فلماذا لا تكون هناك شركات أيضا لشراء الأضحية وتسليمها للذبح بشكل طبى ومتحضر واستلامها وتسليمها إلى صاحبها، بدلا من أن نكون كلنا جزارين على أعتاب بيوتنا؟ فتدفق الناس بأنفسهم على المجازر قد يصبح مشكلة أيضا - لصعوبة التعامل مع الأعداد الكبيرة أو الغفيرة المترددة فى وقت ما - بينما التعامل مع بضع شركات قد يكون أسهل للمواطن وللمذبح وأنظف وآمن لشوارعنا وبيوتنا ومحلاتنا ولسياحتنا الغالية ولكل من يتردد على مصر من ضيوف قد يؤذيهم منظر الدماء السائلة حيث لا يتوقعون.
إن على المواطن مسؤولية كبيرة فى دعم الدولة ومساعدة الوطن فى الوصول إلى ما يصبو إليه من سؤدد ومن سمو، وليس على الدولة أو الحكومة فقط أن تبذل وأن تسعى لتحقق كل شيء، بينما المواطن يفعل ما يشاء وبتصرف كما يحلو له، ثم يأتى لاحقا بسؤاله إلى الدولة وإلى الحكومة: ماذا فعلتم؟ وماذا أنجزتم من أهدف؟ ولماذا تم هذا العمل على هذا المنوال؟ ولماذا فشلتم فى هذه الخطة؟ وما سبب تعثركم فى تحقيق هدف ما أو بعض أهداف؟ وقد يكون من الأوجب الآن أن يسن من التشريعات ما ينظم الذبح ويقصره على الأماكن والأشخاص المؤهلين والمرخص لهم بذلك دون غيرهم.
إن الرحمة بالحيوان عمل سام، والحفاظ على سلامة الوطن وعلى نظافته وعلى صورته الجميلة فى أعين زائريه عمل وطنى غال ومكلف، ولكن مصر وشعبها لا يستحقون شيئا أقل من بلد رحيم كريم نظيف، حفظ الله مصر دولة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير.