«مصر».. «تنزانيا».. والهجرة إلى الجنوب
على عكس لغة التجاهل التي سادت أسلوب الحوار بين مصر ودول حوض النيل طوال العقد الأول من الألفية الجديدة، جاء قرار الرئيس التنزاني "جون موجفلي"، ببناء سد "ستيجلر جورج" لتوليد الكهرباء على نهر «روفيجي» الذي يصب مياهه في المحيط الهندي بعيدًا عن حوض النيل، بدلاً من التوجه الذي كان يهدف إلى إقامته على أحد روافد النيل، أكثر من ذلك حيث أنه اختار شركة المقاولون العرب المصرية لبناء السد.
والواقع أن التواجد المصري الشعبي على مدي العقود الماضية هناك كان ضعيفًا، فاذا نظرنا إلى الصادرات التنزانية التي تصل إلى 4.9 مليار دولار سنويًا، نجد أن الهند تستحوذ على 21% منها، يليها جنوب أفريقيا 17.9% فكينيا 8.8% فسويسرا 6.7%، وبلجيكا 5.9% فالكونغو الديمقراطية 4.9% وأخيرًا الصين 4.8%.
وبالتوازي فإن الواردات التنزانية التي تقدر بنحو 7.8 مليار دولار تستحوذ الهند منها على 16.5% تليها الصين 15.8% فالإمارات العربية 9.2% فالمملكة العربية السعودية 7.9% فجنوب أفريقيا 5.1% فاليابان 4.9% وأخيرًا سويسرا 4.4%.
فيما لا يتعدى حجم التبادل التجاري بين مصر وتنزانيا 29.6مليون جنيه، حيث تصدر مصر بنحو 28.2 مليون جنيه، وتستورد بنحو 1.4 مليون جنيه، فلا عجب إذن ألا تكون مصر على رأس أولويات السياسة الخارجية لتنزانيا حتى لو كان ذلك ضد رغبة المواطن التنزاني نفسه، لأن الحكومات لا تعترف في قراراتها إلا بالمصالح العليا لبلادها.
وسبق لتنزانيا الانسحاب عام 2000 من تجمع الكوميسا، والإنضمام لتجمع السادك الذي تتزعمه دولة جنوب أفريقيا لأنها أهم دولة في التبادل التجاري معها، كما لعبت دورا في توفير الكهرباء لها، نظرًا لأن الكهرباء لاتغطي سوى 4% من قرى تنزانيا، ولهذا السبب نجدها تقف موقفًا مساندًا لإثيوبيا في بناء سد النهضة على أن تكون أحد المشترين للكهرباء المتولده عن السد.
وبعيدًا عن حجم مشاركتها في مياه نهر النيل، وأنها تشترك مع كينيا وأوغندا وورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية في 15% من إجمالي حصة مصر من مياه النيل.
فيما تتحكم الهضبة الإثيوبية في 85% من المياه المتدفقة إلى مصر، فإن غياب التواجد الشعبي المصري سمح وسيسمح بتواجد جاليات أخرى تبحث عن مصالحها دون النظر للمصالح الحقيقية لتنزانيا أو مصر على السواء، ولابد من تدخل شعبي قوي يحقق مصالح اقتصادية ملموسة للشعبين.
وأغلب الظن أن السياحة هي المحطة الرئيسية التي يمكن أن نبدأ بها تلك العلاقة فتنزانيا واحدة من أهم 10 مزارات سياحية في العالم، بما تحتويه من مناطق خلابة تصلح لتصوير الأفلام السينمائية، وأغاني «الفيديو كليب» والمسلسلات كما تفعل غيرنا من الدول، كما تضم سلسلة جبال كلمنجاروا التي تغطيها الجليد أغلب شهور العام لوقوعها علي ارتفاع 5200 متر فوق مستوي سطح البحر.
كما تتشاطئ مع أوغندا وكينيا علي بحيرة فيكتوريا، ثاني أكبر بحيرة طبيعية في العالم، ولا يمكن أن ننسى أروشا أكثر المناطق السياحية شهرة في أفريقيا، ناهيك عن حدائق الحيوان المفتوحه المنتشرة بها وغيرها كثير.
لابد إذَن من وضع تنزانيا على الخريطة السياحية للشركات المصرية ليبدأ المصريون رحلتهم إلى الجنوب بدلاً من التمركز المستمر نحو الشمال، خاصة الشباب الراغب في قضاء شهر العسل خارج مصر، والعائلات التي تقضي أجازة الصيف في رحلات ترفيهية للخارج، بالتوازي مع تنظيم رحلات مماثلة للتنزانيين حتى نوجد نوعًا من الألفة بين الشعبين.
خاصة وأن تنزانيا تمثل سوقًا واعدًا لاستثمارات رجال الأعمال، فقد بدأت ارتفاع معدل النمو بها بين 6 و7% في إنشاء بنية تحتية قوية تشتمل على طرق سريعة ومولات تجارية ومصانع، وكل ذلك يفتح الباب أمام شركات المقاولات المصرية، للانفتاح على ذلك السوق، يساعد على ذلك امتلاك تنزانيا ميناء دار السلام على المحيط الهندي، مما ييسر عملية نقل مستلزمات البناء من مصر وإليها.
وربما غفِلَ المصريون عن رصد ظاهرة توجه الكثير من السوريين بسبب الحرب الدائرة ببلادهم إلى تنزانيا سواء للإقامة الدائمة، أو إقامة مشروعات تجارية بها أو لاتخاذها نقطة ترانزيت للانطلاق منها إلى الدول الأوربية.
كما نجحت الصين في توفير وحدات الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بأسعار رخيصة لخدمة سكان القرى، فيما يسيطر الهنود على حركة التجارة الأساسية بالأسواق، وكل ذلك يقلص فرص التواجد الشعبي المصري، ما لم نتخذ خطوات فعالة، وعملية في النفاذ لذلك السوق.
ومن المؤكد أن المصالح المشتركه وحدها هي التي تخلق الود بين الشعوب، وما لم يلمس المواطن التنزاني مصلحته في التعاون مع المصريين لن يحرص علي استمرار تعاونه معهم بل ستكون الأولوية للدول الأخري .