أوغندا التى لا نعرفها!!
وصف رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل أوغندا بأنها جوهرة أفريقيا، لما تتمتع به من مناظر طبيعية خلابة، وموارد طبيعية من أرض خصبة ومياه شفافة تسمح بقيام مشروعات زراعية عملاقة، غير أن التواجد المصرى هناك، لا زال دون المستوى بما لا يسمح بتفعيل الدبلوماسية الناعمة التى أصبحت أداة الدول لتحقيق مصالحها، علما بأنها دولة محورية فى منابع النيل.
فالتواجد المصرى لا زال قاصرا على محافظات عنتيبى التى يوجد بها المطار الرئيسى للبلاد ومدينة كمبالا العاصمة وجنجا التى يخرج منها النيل فى رحلته إلى مصبه فى البحر المتوسط، فى ظل انتشار واسع للهنود يكاد يغطى كل محافظات أوغندا الـ 39، فى الوقت الذى تتغير فيه أوجه الحياة فمن المتوقع أن تؤدى عائدات النفط إلى إحداث طفرة فى اقتصاديات أوغندا، إذ تقوم شركات أمريكية وإيطالية ببناء مصفاة للبترول بتكلفة 4 مليارات جنيه، ويتوقع أن يصل حجم الاستثمار فى قطاع البترول نحو 20 مليار دولار بحلول عام 2025.
وسيتبع ذلك قيام الحكومة بإنشاء العديد من الطرق السريعة، والمدن الحديثة مما يفتح الباب أمام شركات المقاولات المصرية، إذ أن التصاعد السريع فى معدلات الناتج القومى وصلت إلى 88.67 مليار دولار العام الماضى، بما يعنى أن متوسط دخل الفرد قد أصبح 2400 دولار، وتتنوع مصادر الدخل لتصبح 25.8% للزراعة و23.2% للصناعة و51% للاتصالات، كما نجحت فى إنتاج السيارة كيرا أول إنتاج أوغندى من السيارات ويشير هذا إلى أنها دولة صاعدة بقوة وسيصبح لها ثقلها الاقتصادى والسياسى والإقليمى ليس فى شرق أفريقيا وحدها بل وفى كل دول حوض النيل، ولا بد من فتح آفاق رحبة للتعاون معها قبل أن تستحوذ دول أخرى على كل فرص التعاون وتغلق الباب أمام المصريين.
ولعل اعتمادنا الكامل طوال العقود الثلاثة الأخيرة على القطاع الخاص فى فتح مشروعات هناك لمد أواصر الصداقة بيننا وبينهم، كان السبب الرئيسى فى تعثر تلك العلاقات، فمن الطبيعى أن يعجز المستثمر عن التعامل مع معوقات الاستثمار هناك، فأوغندا دولة حبيسة لا تطل على أىٍّ من البحار أو المحيطات الأمر الذى خلق صعوبة فى التبادل التجارى معها، إذ تعتمد كليا على ميناء مومباسا الكينى فى تصدير واستيراد منتجاتها، فيما تسيطر الجالية الهندية منذ أمد بعيد على أكثر من ثلثى حركة التجارة فى البلاد.
ومن المؤكد أن وجود تعاون اقتصادى فعال مع هذه الدولة يتطلب وجود آليات لتحقيقه، فبنك القاهرة فرع كمبالا يقابله 24 بنكا أغلبهم يمثلون فروعا لبنوك عالمية فى مقدمتهم بنك باركليز، والبنك الهندى، وبنك سيتى بنك الأمريكى وغيرهم مما يجعل قدرة بنك القاهرة على المنافسة صعبة، خاصة أن قوة البنك نفسه داخل مصر ضعيفة، فلا عجب إذن أن المدينة الصناعية التى وضعت مصر حجر أساسها عام 1999 لإنشاء 40 مصنعا لم تؤت ثمارها ولا يشعر بها المواطن الأغندى.
يضاف إلى ذلك البيروقراطية الإدارية التى تعانى منها كل دول العالم الثالث، والكفيلة بإفشال أى استثمار فردى، ناهيك عن حالة عدم الاستقرار التى يعيشها جنوب السودان والتى نتج عنها زيادة أعداد اللاجئين السودانيين لأوغندا.
ويبقى الأمل لدى المصريين فى بناء تواجد قوى اقتصادى فى أوغندا على الشركات الحكومية العملاقة كحاضنة للأنشطة الاقتصادية، على غرار شركة النصر، التى كانت وسيلة مصر للتواجد الفعال داخل أفريقيا، خاصة أن الاستثمارات ذات الأولوية هناك هى المشروعات الزراعية والصناعات القائمة عليها مثل تعليب الأناناس والأسماك، ثم شركات المقاولات سواء لإنشاء المدن الجديدة أو لرصف الطرق، وهنا يجب أن نتعلم كيف نجح الهنود فى غزو السوق الأوغندية طوال القرن العشرين، ويكفى أن أشير هنا إلى أن رابع مهراجا هندى ثراءً فى العالم عاش فى حقبة الستينيات ومطلع السبعينيات هناك.