محمد خلف يكتب: الرسالة النصية الهاتفية كأداة إثبات فى الجرائم
إذا كانت ثورة المعلومات قد أسعدت الأفراد بما وفرت لهم من سبل الاتصال الحديثة، والتى انعكس أثرها على مختلف مناحى حياتهم، إلا أنها قد تسببت لهم فى الكثير من الأضرار الشخصية سواء فيما يتعلق بالجرائم المستحدثة التى ترتكب ضدهم مثل جرائم السب والقذف وجرائم الابتزاز الإلكترونى، ومن ثم يتعين الوقوف على مدى إمكانية الاحتجاج بهذه الوسائل النصية المسجلة بالهاتف المحمول، واستخدمها كدليل لارتكاب جريمة السب والقذف أو الابتزاز القانونى.
ومما لا شك فيه أن تطور الواقعة الإجرامية بات حاليا يحتاج إلى البحث فى تطور الأدلة الجنائية لمسايرة هذا التطور التكنولوجى من خلال الوسائل المستحدثةاجرام بغية ارتكاب الجريمة وتسهيل اندثار أدوات ارتكابها من جهة أخرى، فالمجرم بات فى وقتنا الراهن يلجأ قبل إقدامه على النشاط الإجرامى على التفكير مليا فى الطريقة الأنسب، بغية محو أى دليل يكشف عن اقترافه الفعل الجرمى.
وإذا كانت الدعوى الجنائية من خلال المراحل التى تمر منها تقضى التوازن بين أطرافها من خلال إقامة الدليل من طرف من ألقى عليه المشرع عبء الإثبات عبر مقارعة الحجة بالحجة بين كل من النيابة العامة من جهة والمتهم من جهة أخرىاجرام على اعتبار أن الأولى هى صاحبة الدعوى الجنائية ولها سلطة فى تحريك وممارسة الدعوى باسم المجتمع كقاعدة عامة.
وكما هو معلوم أن النص الجنائى محكوم بمبدأ الشرعية على خلاف ما هو معمول به فى المواد المدنية، فإن كل عمل ينظم هذه الخصومة إلا وينبغى أن ينطلق من المبدأ السالف الذكر والذى يحكمه أنه : (لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون) و(لا إدانة إلا بمحاكمة قضائية) تتوفر فيها كل الضمانات القانونية وترتكز على مبدأ أساسى تعرض له المشرع المصرى انطلاقا من مبدأ حرية الإثبات فى المادة الجنائية .
فأمام التطور الحاصل التى فرضته رياح العولمة عملت أجهزة الضبط القضائى والتحقيق على الاستعانة بمختلف الوسائل المعاصرة أمام عجز الوسائل التقليدية فى محاولة سبر أغوار الواقعة الإجرامية التى أصبحت خيوطها تتشابك وتتعقد أكثر، كل هذا إن دل فإنما يدل على أن الموضوع الذى نحن بصدد معالجته يطرح فى جوهره إشكالية أساسية والتى تتعلق بإسناد الرسالة النصية الهاتفية للفاعل من أجل إثبات إدانة، وخصوصا إذا كانت هذه الأخيرة هى الوسيلة الوحيدة لإثبات الجريمة وإسناد الرسالة لشخصية الفاعل .
و لكن قبل ذلك لا بد من معرفة مفهوم الإثبات الجنائى وطرقه بشكل مقتضب انطلاقا من المقتضيات القانونية التى تحكمه .
المحور الأول: ماهية الإثبات الجنائى فى المادة الجنائيةز
إذا كانت المواد المدنية تعرف الإثبات المقيد، فإن الأمر بخلاف ذلك فى المواد الجنائية التى تعرف مبدأ حرية الإثبات بكافة الوسائل، ما عدا ما استثناه المشرع بنص خاص .
المحور الثانى: إسناد الرسائل النصية الهاتفية فى ضوء العمل القضائز
طرحت مسألة الرسائل النصية أسئلة كثيرة أمام القضاء من حيث إمكانية قبولها كدليل فى الإثبات، والشروط اللازمة لإمكانية تطبيقاتها من جانب العملى .
إن معرفة مصدر الرسالة النصية الهاتفية ليس بالدقة التى يمكن تصورها، وليس من السهولة بمكان، كون معرفة هوية كاتب أو مرسلها تطرح تعقيدا خصوصا فى الحالة التى تكون مجهولة المصدر من الناحية القانونية وليس من الناحية الواقعية، على اعتبار أن المنطق يفرض أن قد صدرت من قبل شخص، هذا الأخير قد لجأ فى البداية إلى شركة المحمول التى منحت لها الدولة ترخيص توفير خدمة الخطوط الخلوية واقتنى منها أو ملك خط الهاتف الذى من خلاله تم إرسال الرسالة النصية، إلا أن هناك إشكالات تطرح وهى الحالة التى يكون فيها رقم الهاتف الذى صدرت منه الرسائل غير مسجل فى اسم مالك، أو الحالة التى يكون فيها رقم الهاتف مسجل فى اسم شخص ما ويرتضى هذا الأخيرة أن يمنح الشريحة لشخص آخر بغية استخدامها، فهل تنسب للمستعمل المادى لها أم للمستعمل القانونى الذى تعاقد منذ البداية مع مشغل الخطوط الخلوية .
لقد عرفت مسألة الرسائل النصية أسئلة كثيرة أمام القضاء، من حيث إمكانية قبولها كدليل فى الإثبات، والشروط اللازمة لإمكانية تطبيقها من الجانب العملى هذه الأدلة كان القضاء قد فندها وقبلها كدليل فى الإثبات ضمن شروط منها شرط أن يكون الحصول عليها قد تم بطريقة شرعية لا خداع فيها وبشرف .
ومن جهة ثانية، فالسهولة فى استخدام التقنيات والوسائل الحديثة حركت الفقه والقضاء المقارنين للبحث عن مبدأ حسن النية فى الإثبات فى الوسيلة الذى نحن بصدد البحث فيها، وقد طبق القضاء الفرنسى هذا المبدأ فى عدة مناسبات واشترط الحصول على الدليل فى الإثبات أن يكون قد تم بشرف.
ويجب لشخص المجنى عليه أن يتقدم ببلاغ للإدارة العامة لمكافحة جرائم الإنترنت وتقديم صورة ضوئية من الرسالة النصيحة، موضحا به رقم الهاتف المرسل ويتم الاستعلام عن اسم صاحب الخط للوقوف على من هو مالك خط الهاتف الراسل للرسالة النصيه وتوجيه الاتهام إليه استنادا على تلك الرسالة.