الاتحاد الأفريقي.. والآمال المصرية
عندما أنشئت منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963 سعت إلى مساندة الدول في الحصول على استقلالها من الاستعمار الأوروبي، غير أن تلك الحقبة واكبتها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، فدفعت أفريقيا الثمن من خلال الانقلابات المتكررة التي سادت دولها حتى نهاية التسعينيات.
ومع استقرار تلك الدول بدأ التفكير في فرص التنمية المستدامة لدول القارة لغد أفضل، فكان ميلاد الاتحاد الأفريقي عام 2002 الذي تطلعت إليه شعوب القارة ليكون لها مكان تحت الشمس، بعد أن أنهكتها الحروب الإقليمية والصراعات الأهلية.
وجاء عام 2019 لتترأس مصر ذلك الاتحاد ولتتحمل معه هموم القارة السمراء، التي تبحث عن شبكة طرق لربط دولها بعضها بعضا، وفي مقدمتها طريق الإسكندرية كيب تاون، في دولة جنوب أفريقيا، بعناصره الثلاثة البرية والسكك الحديدية والنهرية، والذي يبدأ بتحويل مجرى النيل لمجرى ملاحي من أوغندا إلى الإسكندرية، وهو الطريق الذي تعلق عليه الدول الحبيسة مثل أوغندا وجنوب السودان آمالا كبيرة للتواصل مع مياه البحر المتوسط، فيما تعلق عليه مصر آملا كبيرا في انطلاق تجارتها نحو الجنوب.
وهناك تغيرات المناخ التي ضربت بقوة كل بلاد القارة التي تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها من الغذاء، لذلك أصبحت هناك حاجة ملحة لاستنباط سلالات جديدة لمحاصيل عالية الإنتاجية وتتحمل الجفاف وقادرة على مقاومة الآفات، وسبق لمصر أن نجحت في التسعينيات في رفع إنتاجية الهكتار (2.4 فدان) الذي يعتمد في ريه على مياه الأمطار من 8. طن إلى 2 طن، وإلى 5 أطنان باستخدام الري المستديم في أوغندا مطلع التسعينيات، كما أنتجت قمحا صنف مصر 1 المقاوم لمرض "يو جي 99" الذي ظهر أول مرة في أوغندا وصدرته للولايات المتحدة الأمريكية لزراعته في أفغانستان وحقق نجاحا كبيرا، وتمتلك مراكز للبحوث الزراعية قادرة على التعامل مع الكثير من مشكلات.
أما التحدي الأعظم للقارة فهو ندرة المياه، فأماكن تساقط الأمطار وكميتها تتغير من عام لآخر، والأخطر أنها تتميز بسقوطها في زمن بسيط فهناك 400 مليار متر مكعب من الأمطار تسقط سنويا على النيل الأزرق في إثيوبيا خلال ثلاثة أشهر منها نحو 20 إلى 25% خلال أسبوع أو أسبوعين، الأمر الذي يتطلب مشروعات ري عملاقة ومتكاملة، إلا أن هذه المشروعات بطيئة العائد ولذلك لا تجد من يمولها، ولكنها حيوية للقارة لأنها توفر أكبر قدر من فرص العمل للشباب الذين لا يملكون خبرات تكنولوجية عالية.
والحق أن أفريقيا تعيش واقعا معقدا فمنذ استقلت عن الاستعمار سيطر على اقتصادها شركات هندية وأخرى دولية تعمل تحت مظلة الكومنولث، ثم تبعتها الشركات الصينية وكلها تعمل لحسابات خارجية، دون أن تضع في أولوياتها مصلحة المواطن الأفريقي صاحب الأرض، وهو الذي ينتظره الأفارقة من أشقائهم المصريين، بأن يساعدوهم على النهوض ببلادهم بعيدا عن حسابات الجاليات الأجنبية.
من هنا جاء قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بإنشاء صندوق ضمان الاستثمار بأفريقيا صائبا لتشجيع رجال الأعمال المصريين على التوجه إلى الجنوب حيث الجذور، فقد انصرفوا طوال العقود السابقة عنها رغم أنها تمثل عمقا إستراتيجيا لنا، لأنها دول ذات درجة عالية من المخاطر السياسية والأمنية والمالية بل والتشريعية، وهي تحديات لا تتعلق بمقدار أرباح المشروعات أو جودة المنتجات المصرية، أو مدى قدرتها على المنافسة داخل تلك الأسواق، وإنما ترتبط بالمخاطر غير التجارية في ظل سيطرة البنوك الأجنبية على حركة رأس المال بتلك الأسواق، حقا إنه لقاء الآمال والتحديات.