الأمن المائي العربي.. في خطر !!
أضف إلى ذلك أن مساحة البلاد العربية تعادل 10% من مسطح اليابسة للكرة الأرضية، ولكنها لا تستحوذ على أكثر من 2.1% من أمطار العالم، ونحو 1% من الموارد المائية العذبة فيما يمثل سكانها حوالى 5% من سكان العالم، وهو ما يتطلب زيادة مواردها المائية بنسبة 6% سنويا لتلبية احتياجات الزيادة السكانية.
إن حجم استيراد الشعوب العربية للمياه الافتراضية التى تستخدم فى إنتاج الغذاء بلغت 288 مليار متر مكعب من المياه، وتقدر تكلفتها بأكثر من 700 مليار دولار سنويا، فيما يقدر حجم المياه التى يتم تصديرها فى صورة منتجات زراعية بنحو 33 مليار متر تقدر قيمتها بحوالى 57 مليار دولار بعجز تجارى غير منطقى.
ولم يعد أمام الشعوب العربية من حل سوى استخدام حلول غير تقليدية لتوفير مصادر جديدة للموارد المائية، أهمها إعادة استخدام مياه الصرف الصحى والصناعى فى زراعة الخضر والفاكهة، وهو ما يتطلب توعية جماهيرية بكيفية الحد من الملوثات البيئية حتى يصبح التوسع فى استخدام هذه المياه أمرا ذا جدوى، الأمر الذى يتطلب صحوة أمة فى مواجهة خطر ينذر بهلاكها ولا يحتمل أى نوع من السلبية أو عدم تقدير المسؤولية حتى على مستوى الطفل الصغير، لأننا بحق عرضة لجيل جديد من حروب المياه.
فالتاريخ الحديث يشهد أن المياه كانت سببا رئيسيا فى حربى 1956 و1967، وهى الآن مسؤولة عن الحروب الأهلية التى يشهدها الإقليم، فقد أدى الجفاف الذى ضرب سوريا أربعة مرات خلال العقد الأول من القرن العشرين إلى ارتفاع نسبة الفقراء بها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة شمال شرق سوريا خاصة محافظات الرقة ودير الزور والحسكة.
الأمر الذى أعقبه هجرة غير منظمة من الريف إلى المدن بحثا عن مصدر للرزق، ليكونوا فريسه للإرهاب فقد قامت التنظيمات الإرهابية بتجنيد الكثير من هؤلاء الشباب للقتال معهم، لينجحوا فيما فشلت فيه إسرائيل على مدى أربعة حروب، وهو تدمير كل البنية التحتيه لسوريا، ونزوح أكثر من ستة ملايين نسمة إلى دول الجوار خاصة الأردن ولبنان وتركيا والعراق.
ولم يكن اليمن السعيد بأفضل حظا فقد أدى الجفاف الذى ضربه طوال العقد الأول من القرن العشرين إلى هلاك المراعى الطبيعية التى يعتمد عليها أكثر من 3 ملايين من الرعاة فى تغذية مواشيهم، وعجزت الدولة عن مواجهة متطلبات المجتمع من غذاء وعلاج وتعليم، فسقطت فى حرب أهلية مع الحوثيين الذين تدعمهم إيران على أمل السيطرة على باب المندب.
والحقيقة المؤلمة أن أكثر من 80% من مواردنا المائية السطحية تأتى من خارج الوطن العربى، مما يجعلها عرضة للضغوط الأجنبية، خاصة مع تركيا ودول حوض النيل، فيما تعانى كل الدول العربية تقريبا من خطر التصحر نتيجة تدمير الأراضى الزراعية الخصبة بالبناء عليها، والأخطر أنها تستورد أكثر من 70% من احتياجاتها من الغذاء، وكل هذا يجعل المعادلة الاستقرار الاجتماعى أمرا صعبا جدا.
فالخطر الحقيقى ليس فى تحديات ندرة المياه ولا فى طمع الجهات الأجنبية فى السيطرة على الإقليم وإنما فى عدم استيعاب الشعوب العربية لخطورة ما تتعرض من تحديات، فلا بد من ترشيد استخدامات المياه فى الأغراض المنزلية لصالح قطاع الزراعة، لأنه القطاع الوحيد الذى يستوعب أكبر قدر ممكن من العمالة غير المدربة وتستحوذ على أقل نسبة من الاستثمارات، ويساهم بقدر ضخم من الناتج القومى للبلاد العربية، ويضمن الاستقرار الاجتماعى للشعوب العربية.