شوفي يا مصر.. من قلب البيت
ألفيت نفسي بعد منتصف الليل وسط جمع غفير من المعتمرين من خلق الله الذين تدافعوا إلى باب الكعبة الشريفة الذي فتح أكراما لوفادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى في أول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية .
بشر كالموج جاؤوا معتمرين ، فإذا فرحتهم فرحتان : فرحة بزيارة بيت الله ، وفرحة برؤية رئيسهم البطل كريم المنزلة . وسلاسل وفيرة من أفراد الحراسة المحيطة بالبعض دون البعض ، والكل جمع يتأرجح يمنة ويسرة ، وتارة إلى الخلف وتارة إلى الأمام ككتلة واحدة - من كثرة الخلق - وأنا أدعو الله أن يستقبلني في بيته داخل الكعبة المشرفة خوفا من أن تحول الجموع المتزايدة دون ذلك . وكلنا في ذا الشعور واحد .
بعض الحجاب ينظرون إليك ويتفحصونك بنظرة تقدير وكأنهم يراوحون رأيهم بين السماح للعابر بهم بالتقدم خطوة نحو قلب البيت أو منعه ، أو هكذا يخيل اليك من خوفك ألا يصيبك الحظ وتكون من الزائرين إلى هذا الموضع الشريف .
دلفنا بحمد الله إلى قلب الكعبة المشرفة سعداء آمنين مطمئنين . وانفرط عقد الجمع ، فكل شغله فكره وخواطره وهو يخوض هذه التجربة الفريدة التي قد لا تتاح إلا لبشر غير كثيرين ، وإن أتيحت للبعض أكثر من مرة في منحة جليلة من الله سبحانه تعالى .
فهناك من انصرف فورا إلى صلاة خاشعة في أحد أركان البيت . وهناك من انصرف إلى صلاة حيث وقفت قدماه . وهناك من لزم الدعاء الحار المتواصل قبل أن تمضي الدقائق المتاحة لنا ونطالب بالمغادرة .
تمنيت أن أحفظ في قلبي هذا المنظر الإيماني المهيب وهذه اللحظة الإيمانية الرائعة الوسيمة الطالع التي يجد فيها المرء نفسه ليس فقط عند بيت الله سبحانه تعالى ، ولكن أيضا داخله وفي قلبه حيث مر من أحباء ألله عظام كرام من الأنبياء والرسل عليهم السلام والصالحين والصحابة عليهم أجمعين رضوان الله وسلامه . صرت أعد اللحظات ، وأحاول ألا أنسى أحدا ممن أحب في دعائي ، وأن أشمل كل من أعرف بدعوة طيبة فربما تقبلت في ذلك المقام وتلك الساعة ، والأجر والثواب للجميع . وفرحة إنسان تفرح الآخرين إن طهرت قلوبهم .
صليت في كل ركن من أركان الكعبة الشريفة ركعتين ، وورائي من يتعجلني ليحل آخر محلي ، فالوقت قليل . وصليت في وسط البيت ، وإلى اليمين وإلى اليسار فرحا ، فلست أدري إن كانت تلك أول وآخر زيارة لي أم يجعل الله لي في هذا الموضع المبارك موعدا مجددا . ورحت أتأمل قلب البيت : ذلك الباب الصغير المغلق إلى أقصى يمين الداخل بلونه الذهبي ، وهذه الجدران الرخامية التي تغسل مرتين كل عام بمسك يشيع قبولا في روحك ، والأعمدة الخشبية القديمة المنتصبة كحارس طيب ، والقناديل الكثيرة المعلقة في سكون وقد ترك الزمان أثره في ملامحها فاصفر لونها وهى ترقب الزائرين المصلين الداعين لاله في سكون ودعة . لا تحرك القناديل التي أضاءت البيت يوما ساكنا ولا تقلق أحدا حتى يغادر في سلام وحبور ، ولا يزعجها أحد إكراما لجلال المكان .
غادرنا البيت ، وكأننا نغادر حلما ، وقد أسدل الليل ستاره في انتظار فجر جديد يقرب المسافات أكثر وأكثر بين شعبين شقيقين في مصر والمملكة العربية السعودية .
تغمد الله الملك عبد الله بن عبد العزيز برحمته الواسعة بحبه وعونه لبلده ولمصر، وحفظ الله مصر ووفق رئيسها وقادتها إلى كل نجاح ثمين .... ماهر لمهدي