أنا لا أشبه أحدًا
بالرغم من أننى أمتلك ما يفيض على الجميع.. لكننى وحيدة، ووحدى، إنه هدوء وسكون ما قبل العاصفة..
ما أشبه الليلة بالبارحة، إنها نفس الأوجاع، نفس الآلام، نفس الذكريات المريرة التى لازمتنى لسنوات، لكننى تلك المرة سأمر عليها حتى وإن اضطررت أن أتكئ فيها على عظامى!
دعونى أعيش فى سلام، اتركوا لى ما تبقى منى، اتركونى أرحل فى هدوء وصمت، اتركونى أرحل فأنا لا أنتمى إلى هنا..
فبالرغم من كل التضحيات التى قدمتها للبعض كاعتذار لهم عن تفاهة الحياة، إلا أننى وجدت بالنهاية أنه لا يمكن انتشال روح جردتها تجربة فى الحياة من إنسانيتها مهما فعلت!
أنا لا أشبه أحدا، ولا أريد أن أشبهكم.. فلماذا مطالب منى دائماً أن أكون أنا من يتألم، من يضحى، من يقدر، من يعلن التضامن من أجلكم، وبالمقابل لا أحصد سوى الإنكار والتجاهل وكأننى شخص خلق لا يشعر كما تشعرون! إننى كمن بنى أحلامه على قصور من الرمال، أحلامى كلها تبخرت، أصبحت تشبه الرماد الذى يعصف به الهواء كيفما شاء.
لماذا علىّ أن أضحى دائماً دون تقدير، لماذا علىّ أن أسير فى طريق حدد ملامحه الآخرون؟! أين هويتى، أين نفسى التى أصبحت لا أستطيع تمييزها بينكم، بسببكم لم يعد يدهشنى أى شىء، لقد اشتقت لنفسى القديمة، اشتقت لكتبى ومكتبتى، أريكتى ونافذتى، قهوتى وورودى.. اشتقت لكل شىء، حتى لنظرتى الحالمة للأشياء.
نظرت إلى مرآتى فلم أجدنى، لقد أصبحت شخصاً آخر لا أعرفه، فتاة بملامح امرأة فى العقد الثامن من العمر، كئيبة المظهر، منطفئة الملامح، ذابلة العيون، لا وجود لأى مظهر من مظاهر الحياة على وجهى، من المسئول عن كل ذلك؟ من أحاسب؟ من الذى يستحق اللوم والعتاب؟ من سيقدم لى الاعتذار عن كل ذلك؟ أنا أم أنتم؟!!
إننى ضائعة بين زحام الحياة التى رسمها لى الآخرون، أشعر أننى تائهة بالرغم من أننى لم أبرح مكانى، لقد قدر لى أن أكون الشخص الذى يبذل كل جهد إرضاء لمن حوله دون تقدير، وبالرغم من كل تضحياتى التى قضت على الكثير من أحلامى وطموحاتى وسنوات عمرى، وجدت بالنهاية الوجوه تتبدل مع أول كلمة لا أقولها على أمور لا أستطيع تقديمها من أجلهم بعد أن تحولت المساعدات إلى حقوق، اتهمت بالتقصير وأصبح استغلالى أمرا مسلما به بالرغم من أنه ليس من العدل أن أقدر من لا يستحق التقدير، وأتألم على من لا يشعر، وأبكى على أشخاص قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، لقد تعبت من السير وراء الآخرين لتحقيق رغباتهم على حساب نفسى، إننى أجلس بين الجموع وحيدة، لا أحد سيفهم صمتى ولا حتى كلامى إن تحدثت، فالجميع منشغل بتحقيق أحلامه، أما أنا مطالب منى أن أستمع لهم وأجلس أنتظرهم وأدفعهم للنجاح كى يمضى كل منهم فى طريقه ويتركنى وحيدة، إننى مطالبة أن أعيش وفق أهواء الآخرين ممن يرون أننى غير جديدة بالمبادرة أو تحديد خطوط حياتى العريضة، باستطاعتى الرد ولكن يمنعنى دائماً صوت يردد بداخلى انتظرى قليلاً لعلهم يشعرون تلك المرة.
اخترقنى الجميع من كل جانب دون وضع أى اعتبار لمشاعرى أو حياتى، أصبحت لا أملك حتى المساحة الخاصة التى أستطيع فيها ارتشاف قهوتى المفضلة بهدوء بعيداً عن ضجيجهم ونفاقهم الذى يخترق سمعى من كل اتجاه، أصبحت شخصا مريضا بالخوف من السعادة لأننى أراهم فى كل مكان، حتى فى وجوه الآخرين أصبحت أراهم، جميعهم تركوا داخلى علامة لكنها لم تكن أبداً حسنة، إنها ندوب لا يمكن أن يداويها الزمن ولا يشعر أى أحد منهم بالذنب تجاهى، وبعد كل ذلك على أن أبكى من أجلهم وأنا لا أجد من يبكى من أجلى أو يمسح دموعى، على أن أعلن التضامن وأنا لا أجد من أتكئ عليه حين أسقط، على أن أفرح من أجلهم وأنا لا أجد من يفرح من أجلى، بل وفى كثير من الأوقات لمحت نظرات الحقد والغيرة بأعينهم، وكأنه ليس من العدل أن ترضينى الحياة ولو بأقل القليل لكى أفرح!
إننى متعبة وأعلم أن هناك ملايين النساء يشعرن بما أشعر به الآن، لذلك نحن لا نشبه أحدا، بحجم الغضب والمقت بداخلنا نحن لا نشبه أحدا، سنسير تلك المرة أكثر قوة، أكثر صلابة، أكثر تمسكاً بالحلم، فلم يعد فى العمر متسعاً لتقبل أشياء تنقص من قدرنا من أجل أحد، فلا أحد سيقدر أو يستحق بذل كل شىء من أجله، عليكن بتحقيق أنفسكن أولاً ثم الالتفات للآخرين، ففى كل مرة لن تجدن التقدير الذى تستحقونه إلا إذا قدرتن أنفسكن أولاً، فليست الخطيئة أن تبادرن من أجل أنفسكن، بل الخطيئة تكمن فى أن تعرفن مواطن الضعف لديكن دون محاولة تغييرها، فالليل أكثر وحشة من النهار على من يمتلكن أحلاما مؤجلة.