الموسيقى تتحدث كل لغات العالم
دائماً ما تحدث الموسيقى حالة من التناغم بين العقل والقلب، لأنها تثير المشاعر والوجدان لما يربطها داخلنا بذكريات وأماكن وأشخاص.
عندما كنت صغيرة، كنت أعتقد بأن الموسيقى الجيدة هى كل ما يجعلنى سعيدة فقط، كسيمفونيات تشايكوفسكى أو أغانى محمد عبدالوهاب فى المساء عندما أجلس وحيدة بغرفتى وأنا أتابع ضوء القمر والنجوم فى السماء، نضجت وتيقنت بأن الموسيقى الجيدة لها أشكال أخرى مغايرة تماماً لما كنت أعرفه، خاصة بعد أن تزوج شقيقى من إحدى أهم رائدات الفن الأوبرالى فى العالم.
وجدت إبداع فى إيصال الرسالة عن طريق الفن الأوبرالى بأنواعه، فهو ليس مقتصراً على السيمفونيات فقط كما كنت أعتقد، بل يمكنه أن يعبر عن القضايا والمشاعر وما يجول فى الخاطر دون حديث، شاهدت أيضاً التواصل الروحى والتناغم بين الجمهور بمختلف أطيافهم وجنسياتهم، حينها علمت بأن الموسيقى لا تقتصر فقط على ما يسر حاسة السمع، بل هى تبادل معرفى وثقافى يعلم الإبداع ويسمو بالنفس ويوحد ويعزز من الترابط بين الشعوب، بالإضافة لأنها أحد أهم المسئولين عن استعادة الكثير من الذكريات للأذهان خاصة تلك التى ارتبطت بأشخاص رحلوا للعالم الآخر.
ولأكون أكثر صراحة.. لا أنكر أننى كنت فى السابق أسخر من الطبيب الذى يستخدم الموسيقى لاسترخاء المريض أو تحضيره للجراحة، لأننى لم أكن أعلم جيداً ما المقصد من ذلك.
لكننى بعد أن خضعت للجراحة العام الماضى تألمت بشدة، فنصحنى أحد الأطباء اليابانيون باستخدام الموسيقى مع أصوات الطبيعة كوسيلة لتخفيف الألم، فى تلك اللحظة لم أتردد فى سماع نصيحته، فكانت المفاجأة فى سرعة ما وجدته من تخفيف لأوجاعى، لقد جعلتنى الموسيقى أستغنى عن الكثير من المسكنات فى ذلك الوقت، حتى حزنى فى تلك الفترة وجدت الموسيقى مسكنا طبيعيا له!
والآن وفى ظل جائحة كورونا، حارب الشعوب المرض بالموسيقى، انتشرت مئات المقاطع الرائعة لأشخاص يعزفون وينشدون الأغانى من الشرفات لتخفيف الحجر وبث روح الأمل والطمأنينة لمن حولهم من الذين اشتد عليهم المرض واليأس والتعب.
لطالما وجدت الأشخاص المحبين للموسيقى أكثر تهذباً وكلاسيكية فى التعامل، فكل شخص محب للموسيقى دائماً ما يتمتع بروح هادئة لكنها مغامرة تعشق المرح والتكيف مع الآخرين، إنهم أصحاب المبادرة دائماً فى تقديم المساعدة، بل ويتمتعون بوسطية واحترام لكافة الثقافات حولهم، خاصة هؤلاء الذين يحبون استكشاف ثقافات الشعوب الأخرى بالموسيقى والأغانى التى تتحدث عن التراث أو الطبيعة الريفية للبلد، أو حتى ألحان آلاتهم التى امتزجت بالحداثة والصخب.
رغم الصمت والخوف والترقب واختفاء كافة أشكال الحياة اليوم، ستظل الموسيقى طوال الوقت هى الوحيدة التى تتحدث كل لغات العالم، ستظل رسالة السلام والأمن والأمل للمستقبل، إنها البساطة والقوة والجاذبية، إنها امتداد الطبيعة التى علمت الإنسان وألهمته من تغريد البلابل وأصوات الطيور وخرير الماء وأمواج شواطئ البحر.