عداه العيب
رغم عمره المتقدم الذى تخطى حاجز المشيب إلى النصف الثانى من الستينيات من عمره، ورغم ما تحقق له من تكوين أسرة كبيرة من الأبناء والأحفاد والاحتفاظ بهم حوله فى مسكن واحد بناه فى أحد الأحياء الشعبية، ورغم تمتعه بزيجة مستقرة وطيبة ومستمرة منذ حوالى خمسون عاما -كما يقول- إلا أنه عقد قرانه على الإنترنت وعلى موقع معين بها من مواقع التواصل الاجتماعى الزائعة الصيت. نعم, كأن الرجل عقد قرانه على الإنترنت، فهو يلازمها ليلا ونهارا فى معاقرة لا تكاد تنقطع لسبب، إلا حينما يعجز عن الاتصال بالإنترنت، لوجوده فى عمله المؤقت الذى يستعين به على تكسب بعض المال، إلى جانب ما يتقاضاه من معاش حكومى عن وظيفته البسيطة السابقة بأحد مصالحها. وفى كل وقت ما عدا ذلك، تجد وجهه مدفونا فى شاشة الموبايل الذى يحمله، كطالب مجتهد يرهق عينيه فى مادة دراسية هامة مخافة الرسوب أو طمعا فى التفوق، حتى لتكاد تسأله: ماذا يهمك ويقد راحتك لتبذل هذا العناء القاسى وتعذب نفسك هكذا؟ فالرجل يبقى مكانه بلا تمشية بسيطة تفيد صحته أو صلاة فرض من الفروض أو شىء من استرخاء بلا فكر حتى ساعات الصباح من اليوم التالى. وقد أورثته ممارسته هذه قلة الرضا عما فى يديه من نعمة ومن فضل، فبات حزينا معذبا يتطلع إلى المزيد والمزيد من الدخل مما قد لا يتحقق له, لفقر إمكاناته وجهده. فكل تطلع ناجح هو تطلع على أسس قادرة على تحقيق هذا التطلع. ولما كان تقديم النصيحة بلا سؤال ليس إلا تدخلا فى شئون الغير، ظل الرجل على اعوجاج حاله حتى ناله ما روعه.
هرع الرجل صباح ذاك اليوم إلى إحدى وحدات مباحث الإنترنت ملهوفا يكاد يغشى عليه من الخوف، بعد أن فشل فى الاتصال التليفونى بتلك الجهة. وفور مقابلة أحد الضباط للرجل، بكى الرجل شكوى من قيام أشخاص بتهديده بنشر صور وأفلام فاضحة له ولمن يعرفهم من السيدات والبنات المضافات على صفحته وعلى حسابه فى أكثر من موقع للتواصل الاجتماعى ما لم يحول مبلغا ماليا معينا إلى حساب لهولاء المجرمين خارج البلاد فورا. فلما سأله الضابط عن مناسبة التعرف إلى تلك العصابة الإجرامية، اضطر الرجل الذى يقترب عمره من السبعينيات إلى الاعتراف بأنه قبل إضافة سيدة أرسلت إليه صورا عارية طالبة التعرف إليه. فلما أضافها إلى قائمة أصدقائه وتحدث إليها تليفونيا أيضا تمكنت هى ومن معها من معرفة الكثير من التفاصيل عن الرجل وعن أهله وعن أصدقائه والحصول على صور كثيرة للرجل ولمن هم على صلة به لقرابة أو غيرها. وما زال الرجل مرعوبا من قيام العصابة الإجرامية باستغلال ما تحصلت عليه من صور وبيانات وأرقام لأهله ولأصدقائه ولغيرهم أو التسبب فى فضيحة له أمام أهله أجمعين.
قد تتهم مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة بتهم عديدة -إلى جانب ما لها من فضل وفوائد بالطبع- ولكن هذه المواقع تبدو بريئة أحيانا مما قد ينسب إليها من سوء، فالمرء هو الذى يختار ويقرر كيف يستخدم هذا الموقع أو ذاك. وفى هذه الواقعة الواردة أعلاه قد يتضح أن الموقع "عداه العيب".