السيطرة والتحكم
من عجيب أمر الإنسان أن المال -وإن كثر- لا يرضيه ولا يشبع طموحه ويلبى آماله ويهدئ من روعه بشكل تام. ويظل لدى الإنسان حلم هام آخر ولا يقل أهمية عن تكوين الثروات، ألا وهو حلم السيطرة والتحكم فى الآخرين، وهو الأمر الذى قد يفسر كثيرا من الأمور، سواء على مستوى الأفراد أو العائلات أو الدول كبرى وصغرى. بل إن حلم السيطرة والتحكم ربما كانا أهم وأكثر جاذبية عند البعض -من الناس ومن الدول أيضا- من المال. فالمال قد يلبى حاجات ويحقق أحلاما ويشترى أشياء وفيرة، ولكن السيطرة والتحكم قد يمنحان أصحابهما متعة خاصة أو مميزات خاصة يدفع من أجلها المال والكثير من المال أحيانا، بحسب الراغبين. فهو هدف فى ذاته طبعا عند بعض الناس وعند بعض الدول. واليد العليا هدف عند بعض الناس وعند كثير من الدول. فمن تحكم بأمور الناس وسيطر عليهم ملكهم وملك مصيرهم وأموالهم وثرواتهم.
لذلك، كان على الإنسان أن يطور نفسه جيدا وباستمرار ويحسن تدبر أموره واستثمار مقدراته، ليكون قادرا على رعاية نفسه والأخذ بزمام أموره دون خضوع لأحد. فمن ملك القدرة على العمل وعلى التجديد وعلى الإبداع كل يوم كان أكثر أمنا ممن يعمل فقط ولو بجد واجتهاد. ومن ادخر ودبر أمره وحسب حساب الغد وجعل من بناء ذاته عملا مستمرا، كان قى الغد مستقرا قويا لا تطيح به الشدائد والمفاجآت غير السعيدة.
إن القدرة على العمل وعلى تطوير الذات ربما كانا هما مفتاحى الهروب من سيطرة الغير وتحكمه وهما المدخل إلى امتلاك الرأى الخاص والتوجه الخاص والانتصار على محاولات السيطرة التى لا تلبث أن تتجدد من هنا أو هناك. فالسيطرة والتحكم جزء من حركة الحياة ومن طبيعة البشر فى مختلف المستويات، بل إن تحقق السيطرة والتحكم قد ينشئ حقوقا ويترتب عليه مسؤوليات.