لغة الشارع فى الغناء
كل من أحب أو حلم بقصة حب أو أراد التعبير عن مشاعره الحلوة لأحد مهما كان يجهد نفسه فى البحث عن كلمات جميلة رقيقة معبرة وتظهر دفء وصدق مشاعره، وتعبر أيضا عن سمو أسلوبه ورفعة اختياره. ولذلك، أجهد الناس -عبر العصور وعلى مر التاريخ- أنفسهم فى فنون الشعر وآداب اللغة، ولم يكتفوا فى وقت من الأوقات بإرثهم اللغوى بل راحوا يعملون على حفظه وحسن فهمه وتطويره ما استطاعوا. ومن هنا تفرعت دراسات اللغة وخرجت منها فنون وفيرة تعالج مختلف الاهتمامات والصور الأدبية. ولذلك أيضا، نجد الناس تحب الفنانة الراحلة أم كلثوم وتواظب على الاستماع إلى أغانيها بحب وسعادة وامتنان، رغم وفاة أم كلثوم من حوالى نصف قرن من الزمان. فكيف يصل غناء اليوم إلى البحث عن كلمات الشارع ولغة الشارع بلهفة واهتمام ويتبناها ويتبنى تلك اللغة ويتبنى صورها التعبيرية كنموذج أمثل للتعبير عن مشاعرنا القيمة وتصوير صادق وجداننا؟ إن هذا لأمر عجيب حقا ومن عجائب الأمور الحديثة فى أيامنا هذه.
هل الجمهور يريد لغة الشارع وألفاظه وصوره للغناء والطرب؟ فلماذا إذا تباع أغانى عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش وشادية وهانى شاكر ونجاة وفايزة أحمد وأغانى كثير من المطربين العظام؟ ولماذا يقبل الناس بشغف متصل على أغانى الذين رحلوا حتى عن دنيانا منذ عقود بعيدة تقترب من المائة عام؟ إن الناس لا يستمعون فقط إلى الأغانى القديمة، ولكنها تتصدر قائمة الأغانى الأكثر طلبا عند المستمع المصرى والعربى- وفقا للإحصاءات المعلنة والتى تؤكد باستمرار تفوق" الغناء القديم" إذا جازت التسمية.
نعم، الفن مهنة ومصدر رزق ودخل لبيوت الفنانين وبيوت العاملين بالوسط الفنى أجمعين، والغناء أو الطرب جزء من الفن. ومن ناحية أخرى، نجد أن الفن يرتبط بالرقى والجمال والذوق العالى والتحضر، وينطوى على رسالة رفيعة مضمونها العمل على السمو بالذوق العام وإثراء الروح ببديع المشاهد والكلام وعظيم النغم والصور وسائر الأعمال الفنية. ومن هنا كانت القيمة العليا للفن وكانت المسؤولية. ومن هنا أيضا ينشأ الموقف من لغة الشارع التى قد تبعد بالفن عن طبيعته وعن رسالته الرفيعة.