أزمة هوية
فى تصورى أن الحرب الدائرة بين بلدين متجاورين كان بينهما -وما زالت- مشتركات كثيرة هى نتاج أزمة هوية فى أحد البلدين الذى فتح آذانه لنصائح الغير واغراءاتهم وتوجيهاتهم وهم آمنون فى بلادهم البعيدة عن المواجهة. فالمسألة فى ظنى مسألة هوية، إذ لا يمكن للشرق أن يصبح غربيا فى لحظة -بقرار سياسى- استنادا إلى أحلام وردية وإلى وعود أجنبية تراعى مصالح أهلها فى الأول وفى الآخر. بل إن الانصياع إلى تلك الوعود والإجراءات لهو أمر ساذج ويدعو إلى الاستغراب ممن يصدقها ويصوغ حولها فكره وتطلعاته ومستقبل بلده ومستقبله هو شخصيا.
فلا يوجد فى الحياة من يتحمل مسؤولية أحد من الغير أو يتولاه بالإعالة والحماية ويصنع له أفضل الحياة وأجمل المستقبل بلا مقابل وبلا هدف ودون ثمن. ولو حدث ذلك، فلدواعى المصلحة المباشرة أو المشتركة بين الطرفين المتعاونين. وما عدا ذلك فوهم وأحلام قد لا تجد ما يبررها، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول.
قد يكون من الصعب أيضا تفهم رغبة طرف يتحدى الكثير من المعطيات المحيطة به ويسعى إلى قهرها بدلا من أن يحاول استيعابها أو التأقلم معها بشكل متطور يحقق لهذا الطرف نوعا من النصر وتخريجا مميزا وينأى به وببلده عن مخاطر الحرب والدمار والمواجهات العسكرية مع جار ذى قوة وذى بأس شديد.
إن الأحلام مشروعة بالطبع، ولكن لا يوجد من يجود بالمال والمعرفة والسلاح ووسائل الحضارة على أحد كرما ومحبة، لأن المال والمعرفة ووسائل الحضارة المختلفة تستغرق أجيالا من الشعوب ولا تتوصل إليها الشعوب بين ليلة وضحاها لتتبرع بها عن طيب خاطر إلى شعب أو شعوب أخرى. ومع ذلك، يبدو دائما أن هناك من يحلم بمن يعطيه من المال ومن الحماية ومن كل شىء ويحول حياته وحاضره ومستقبله -فى عجالة- إلى بستان من الزهور والرياحين والرفاهية والسلام والأمان، كما فى جوائز اليانصيب. والواقع يهتك بهجة الأحلام ويهبط بها من السماء إلى الأرض على متن مساعدات الغير التى قد لا تعين على شىء سوى على مزيد من دمار العباد والبلاد.
إن العقل ذينة، والتمسك بحبال الهوية الوطنية -دون شطاط- مطلوب من أجل التحرك إلى الأمام فى خطى ثابتة وناجزة ومحققة للنجاح وللرضا الشعبى، ولو كانت بطيئة.