النسيان أولى
قالت صديقتى القديمة: لقد أيقظتنى بهذا الحديث. نعم، إنك على حق والحق معك، وعلى أن أبدا بالتحرر من أفكارى والتحرك نحو إنقاذ نفسى من نفسى ومحاولة إنجاز بعض مما يعيننى على مشوار الحياة. ولكنى أحتاج إلى من يذكرنى بهذا؛ أرجوك ذكرنى فإنى أنسى ويستغرقنى النسيان. وقد نبهنى حديثها إلى أن الإنسان يكبر وكذلك احتياجاته تكبر معه ولا تقل أبدا ولا تعود إلى الوراء. استوقفنى حديثها وأنا استغرب ما قالت وكيف أنها تريد من يذكرها بما تحتاج هى لحياتها. وبعد فترة من التأمل أدركت أن صديقتى تقصد أنها تريد وتحب ما هى فيه وما أصبحت عليه، وأنها تريد أن تنسى ما يعكر عليها صفوها ومزاجها ويدعوها إلى الجهد وإلى التعب وإلى المحاولة وإلى رجاء النجاح وإلى الخوف من المجهول وإلى العمل من أجل غد أفضل أو آمن على الأقل. وقلت لنفسى باسما: فعلا إنها على حق، النسيان أولى أحيانا. لقد أدركت أنا أن على أن أنسى صداقة من لا تجر صداقته على سوى طاقة سلبية من خليط من الوساوس ومن الأفكار الكئيبة ومن الإحباط ومن مشاعر الهزيمة ومن حب الهزيمة ومن الاسترخاء فى رحاب الهزيمة السابقة والقادمة أيضا.
لقد كنت لسنوات طويلة أحاول العمل على ألا أفقد صديقا مهما حدث، على أساس من أن الانسان خطاء ولا يوجد من لا يخطئ ولا يوجد من هو كامل الأوصاف بين بنى الإنسان. ولكن من المضحك ربما، أن هناك من الناس من لا يأبهون لقرب الناس أو بعدهم ويصرون على أن يكونوا أقبح ما يمكن أن يكونوا وأن ينثروا من قبحهم على من حولهم أجمعين أو من يختار أن يبقى حول ذلك القبح المتعنت الرافض للخير والجمال.
إن الفشل اختيار، والنجاح اختيار، والقبح اختيار، والجمال اختيار أذكياء القلب والروح.