بركات المصطفى
نعيش - هذه الأيام - فى ظلال شهر رمضان المبارك تكتنفنا أجواء روحانية وإيمانية، واسمح لى عزيزى القارئ أن أسوق موقفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة، فعندما أجمع المشركون على قتله أرغم على الهجرة، حيث كان مطاردا من قبل أربعين رجلا يمثلون أربعين قبيلة من قريش، وكان برفقته أبوبكر الصديق، وعامر بن فهيرة، ودليل الصحراء عبدالله بن أريقط، وعندما وصلوا إلى وادى قديد فى الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة نفد منهم الماء والزاد، وإذا بهم يصادفون خيمة عاتكة بنت كعب، والتى تكنى بأم معبد، واشتهرت بكرمها رغم فقرها، فتوقف عندها النبى مع رفقائه؛ ليبتاعوا ما يقتاتون عليه، ابتسمت المرأة وقالت للنبى وهى لم تعرفه: اذهب إلى شيخ القبيلة، فهناك تجد القرى والسخاء، والبذخ والعطاء، فأنا امرأة عجوز، عضنى الدهر بنابه، وأناخ على بكلكله، وهذه السنة جدباء، وذهب زوجى أبومعبد إلى الصحراء يسوق أعنزا عجافا، وخلف لى هذه الشاة التى لا تحلب قط، فابتسم الحبيب، وقال لها: أتأذنين لى أن أحلبها؟ قالت: إن رأيت حلبا فاحلبها، فدعا بها رسول الله، فجاءت تشم قدميه الشريفين، ووضع يده على ضرتها، وقال: بسم الله، فامتلأ الضرع حليبا، وشرب الجميع ببركة رسول الله.
أقبل الزوج فى المساء، فتعجب وقال لامرأته: أرى حليبا ولا حلوب عندنا، فقالت: مر بنا رجل مبارك، ثم أخبرته بالقصة، فقال لها: صفيه لى، فاسترسلت فى وصف النبى ببلاغة وفصاحة، فقد كانت تملك ناصية البيان، وقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، فى عينيه دعج، وفى أشفاره وطف، وفى صوته صحل، وفى عنقه سطع، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، فقال أبومعبد: هو والله صاحب قريش الذى ذكر لنا أمره بمكة، والله لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن ذلك إن وجدت إلى ذلك سبيلا.
وختاماً أقول: إن القمر الذى يسطع فى علياء السماء يستحى أن يباهى نور رسول الله، فيجب علينا أن نتمسك بسنته، ونسير على خطأه خاصة ونحن فى أيام النفحات والبركات.