( الدييييش ) ، ( الجهادية ) أو ( الجيش )
فتحت عيونى فى بلدتنا الصغيرة فى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى وأنا أسمع وأرى تعبير بلهجتنا الريفية المحلية فى كل بيت من بيوت الأهل والجيران والمعارف وأتشبع بالتعبيرات الإيجابية إن صلاة النبى عليه ابننا فى (الديييش) وأحيانًا يقولون فى (الجهادية) أو (الجيش) وجميعها أسماء عاشت داخل قلوبنا من القدم فالجيش مصنع الرجال، فحين يدخل الشاب الجيش ويلبس الميرى تبدأ أعظم مراحل حياته أيًّا كان مؤهله أو بدون فالرجولة والفتوة للجميع... حديثى هنا ينصبّ على شباب بلدتنا وأغلبهم غير مؤهلين باعتبارى من بيئة ريفية بسيطة لم يحصلْ الكثيرون منهم على نصيب من التعليم فكنا نسأل عن شاب ما.. أين هو؟ فيقولون دخل الجيش ولبس الميرى وتمر الأيام 45 يومًا هى فترة الأساس ونرى شيئًا مذهلًا قد تحقق للشاب لم يعد هو نفسه هذا الشاب الذى عهدناه نجده شيئًا رائعًا من البنيان الجسدى والفكرى، فالعضلات نمت والوجه ازداد سمرة باحمرار، وقوة وصلابة، وواضح فى التحدث باختيار ألفاظه، إنه تبَدل جذريًا وتعلم بعض حروف الكتابة والقراءة ومهنة جديدة اكتسبها وخاصةً قيادة المركبات، واستلم رخصة ميرى ليبدلها بعد خدمته العسكرية برخصة قيادة مدنية وتتبدل حياته من النقيض السلبى إلى الإيجابى، وكان لى قريب من المتعثرين فى النطق مما سبب له ضياع جزء من شخصيته وأحيانًا كرامته على يد أقرانه، جُندْ بالجيش وإذ به يتغير تمامًا ويشتد عوده ويعتدل فى مشيته وحديثه، يختار كلماته بعناية ويتعلم القراءة والكتابة ويعود لنا بفكر وأمل جديدين، فكيف تبدل حاله؟ ويصبح من الرجال الأشداء ففى أثناء حرب الاستنزاف أصبح الالتحاق بالجندية شرف ما بعده شرف فى انتظار يوم التحرير وينتصر الجنود للوطن ليبدل الإنسان المصرى بجيشه الانتصارات بعد الانكسارات وترفرف رايات مصر والقوات المسلحة خفاقة ظافرة بعرق أبنائها لتحمى وتصون، تزود عن الوطن والحدود.. إنها مؤسسة وطنية عظيمة باقتدار لا تنجر إلى الانشقاقات ولا سُجْل عليها مرة أن عملت ضد الوطن أو تواطأت عليه بل ساندت ودعمت ثورات الشعب وتبنت أفكاره وأمانيه، وتشارك فى تنميته بمشاريع خدمية تُعيْن المواطن على قضاء حاجياته اليومية لما تقدمة من أسعار للسلع المناسبة، كنا فى فترات كثيرة نمون سياراتنا ونصونها من محطاتها الوطنية نشترى من معارضها موادنا التموينية ونأكل بمطاعم نواديها وفنادقها بأسعار مناسبة بعيدةً عن الجشع والتغالى، وترفع يد قواتنا الفتية شعلة العمل وتُعلى ريادتها وقيادتها للمسيرة بمشاريع عملاقة عظيمة تشرق بها شمس مصر، هذا غير ما توفره لنا من أمن واستقرار عظيمين منذ ثورتين، وتعيشى يا بلدى تعيشى يا قواتنا المجاهدة فى سبيل الحق والخير والنماء وتحيا مصر .