سر الفشل وسر النجاح
رغم كل ما قطعناه من تقدم فى مجالات كثيرة، ورغم أننا فى الألفية الثالثة الآن، إلا أننا ما زلنا لا نهتم كثيرًا بتفاصيل الأمور، وهذا شىء غريب حقًا، فتجد مثلًا أننا احتفلنا بافتتاح كوبرى ما فى منطقة ما وأن أحد المسئولين قام بقص الشريط وتهنئة الجميع وأن الصحافة صورت وكتبت وما قصرت، وكله جميل على ما يبدو، وعند استخدام الكوبرى العظيم تجد أنه مثلًا يقتقر إلى حارة جانبية لوقوف السيارات العاطلة أو الراغبة فى التوقف لعطل ما أو لطارئ من الطوارئ، وتجد مثلًا أن الكوبرى محل الاحتفال يكاد يتسبب فى حوادث كثيرة لاشتراك مطالعه فى نقطة واحدة على جسد الكوبرى، إذ يعتمد السير الطبيعى على ستر ربنا وتعتمد النجاة من الاصطدام على أقدار السائرين إلى أحوالهم، ولكل أجل كتاب، ولكن تبقى هذه الأخطاء الهندسية أو القصور الهندسى قصة يومية مستفزة، بينما نحن نحتفل بالكوبرى والمسئول الهمام الذى افتتحه والسلام.
لقد تعلم مسئولونا إلى أعلى المستويات فى بلدنا وفى غيرها، وزار مسئولونا بلاد الدنيا، والمتقدمة منها قبل النامية، ورأوا آيات التقدم، فمن أين يأتى هذا السلوك الغريب الذى يجعل "الواحد منهم يكروت ويفوت ويتصور ويهنئ وياخد بعضه ويروح على بيته وكله تمام ؟!"، من أين تأتيك هذه الجرأة على أن تكذب على نفسك وتقبل ما لا يقبله عقلك ولا عيناك وتمضى إلى حيث تأخذك الأيام؟ لماذا لا نراجع ما يعرض ونصحح ما لا يقبل وما يحتاج إلى تصحيح – برفق وهوادة وميزان – ونتريث حتى تصبح الأمور صالحة أو يتم تعديل ما يحتاج إلى تعديل أو إزالة ما يحتاج إلى إزالة، ثم نقدم على الاحتفال والنهنئة والتصوير والتهليل للأعمال العظيمة؟
فريق الكرة يعتمد على لاعب أو حارس والبقية مجرد بقية، بينما الصحافة تخترع الألقاب العظيمة وتخلعها على العباقرة الخياليين، ويصول الصحافيون والإعلاميون ويجولون ويحولون اللاعبين إلى أساطير إغريقية تستحق الملايين من الجنيهات، بينما يعيش من مواطنينا الشرفاء أعداد كبيرة فى ألف ومائتى قرية عشوائية بلا مرافق، ولذلك يفوز الفريق مرة ويهزم مرات ولا يصل إلى شىء يذكر، لا إقليميًا ولا دوليًا، وتظل قرانا عشوائية.
نحن نحتقى بالمدير ومكتب المدير ولا نهتم بساعى السيد المدير ولا بسائق السيد المدير، ونهتم بالمهندس ولا نهتم بالبائع وعامل النظافة، نهتم بالضابط ولا نهتم بالعسكرى أبدًا كأنه عقبة مرفوضة أو زيادة مطرودة من حياتنا، والحقيقة أن العسكرى مهم - مثل الضابط – لأنه يؤدى عملًا مهمًا للمجتمع، نحن نهتم بالطبيب ولا نهتم بالممرضة والممرض وهما شريكان فى العمل الطبى الناجح.
كم هو عظيم أن يتم الاهتمام بالجميع، وأن يتم الاهتمام بالتفاصيل، فمن الحتمى بمكان أن يتم تدريب الفئات المعاونة من السائقين وعمال النظافة وأطقم البوفيهات وموظفى الصيانة وعمال الأسانسيرات وغيرهم فى كل قطاعات الحكومة وفى القطاع الخاص كله أيضًا، ليكتسبوا المهارات الخاصة بالعمل ويدربوا - كخلق الله فى سائر الدول – ليصبحوا جزءًا حقيقيًا من كيان العمل الذى ينتمون إليه فيسهم ذلك فيهم إيجابيًا ويسهم فى تطويرهم المستمر على المستويين المهنى والشخصى، ويسهم ذلك التدريب أيضًا فى تطوير مستوى الأداء فى العمل الذى يمارسونه وفى مستوى مؤسسة العمل، ولا ينبغى أن يترك هولاء لأنفسهم ولأفكارهم الخاصة واجتهاداتهم الخاصة وعزمهم وقنوطهم وفقر أسلوبهم فى التعامل وفى الملبس والمظهر والتصرف كأنهم لا يعنون أحدًا ولا يؤثرون فى شىء البتة ولا يتأثرون بشىء.
إن دولًا كثيرة تخضع كافة العاملين بها لدورات تدريبية خاصة تقيم أعوادهم الوظيفية فى كل منحى، فهى تتناول مسائل الانضباط من مواعيد الحضور إلى المظهر والزى وأوقات الغداء وشروط التدخين وأماكنه والتعامل مع الزملاء - إلى آخره - وتتناول الجوانب الفنية للعمل، كل فى مجاله وما قد يحتاج إليه، إذ نرى صورة إجمالية جميلة للمؤسسة أو الوزارة أو الشركة تزينها روح واحدة، هى روح الانتماء والنجاح الجماعى.
لا يوجد من ينجز كل شىء وحده، ولا يوجد من هو أهم من الناس جميعًا، نحن لا نهتم بالتفاصيل، وهذا أمر خطير وغريب الشأن، نهتم بالشكل ونقسم الأمور والناس إلى مهم وغير مهم، قتصبح أحوالنا فى مجملها غريبة المظهر وسيئة الإخراج – مهما بذلنا من جهد – لأن النتيجة النهائية والمحصلة الختامية تعتمد على مجمل الأجزاء المكونة للصورة، ولا تعتمد على جزء واحد جميل أو صالح وبقية لا تزيد عن كونها بقية، حفظ الله مصر ووفق رئيسها وقادتها إلى الخير.