الإسلام السياسى والإسلام الأصولى
إن هناك تشابهًا وربما تطابقًا بين مصطلحى الإسلام السياسى والإسلام الأصولى، فالإسلام السياسى يكون بالضرورة أصوليًا، أى معتمدًا على الأصول والمرجعيات الإسلامية تمامًا، وهكذا فإن "صفة الأصولية تشير فى الغالب الأعم إلى تلك الحركات والأيديولوجيات التى تصر على أن جزءًا لازمًا من الدين الإسلامى، اعتمد شكلًا من أشكال الحكم (الإسلام دين ودولة)، وعلى الدولة الإسلامية أن تطبق عقائد الدين الإسلامى، وفى مقدمتها الشريعة، على كل مناحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية"، ولابد من القول إن هناك نوعًا من التوجس والخوف من طروحات وأجندة جماعات الإسلام السياسى، وهو الأمر الذى يدفع بهذه الجماعات إلى إظهار نوع من "المرونة" فى خطابها والاهتمام بالأمور الحياتية للمواطنين وطرح برامج تطويرية وتنموية أيضًا، ومن هنا يمكن القول إن الإسلام السياسى هو فى واقع الأمر أيديولوجية تحاول التزاوج بين الدين وقداسته وبين مجموعة من المشاكل الدنيوية المعاصرة من أجل استغلال العامل الإيمانى الاعتقادى لدى الناس للوصول إلى الحكم وتطبيق برامجها الرامية لإنشاء دولة الخلافة.
وبالإشارة إلى ما سبق، يمكن النظر إلى الإسلام السياسى، كذلك، على أنه "أيديولوجية وليست خطة موضوعية تهدف إلى تطبيق واقع متخيّل (يوتوبيا) فيه العدالة الكاملة والسعادة الكاملة، وليس الانتصار على المشاكل والعقبات الحياتية المعاشة، وأجندة الإسلام السياسى لا تحوى مكانًا للقيم المدنية المعاصرة مثل العدالة والديمقراطية ودولة القانون والحقوق الفردية، بل هى لا تستبعد العنف من برامجها من أجل تطبيق نظامها الدينى الرامى للوصول إلى السلطة".
ولعل أول ما شاع هذا المصطلح خلال مؤتمر عالمى عقد فى سبتمبر عام 1994 فى واشنطن باسم "خطر الإسلام الأصولى على شمال أفريقيا" وكان عن السودان، فقد اتهم المؤتمر محاولة إيران نشر "الثورة الإسلامية" إلى أفريقيا عن طريق السودان، وتدريجيًا فى التسعينيات فى خضم الأحداث الداخلية فى الجزائر التى أسفرت عن إقصاء "جبهة الإنقاذ" بعد أن فازت بانتخابات ديمقراطية استبدل المصطلح بمصطلح "الإسلاميون المتطرفون" واستقرت التسمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 على مصطلح "الإسلام السياسى" وهى تسميات يراد منها تشويه سمعة الحركات الإسلامية، ومن ثم تشويش الإسلام نفسه.
ويرجع تاريخ الحركات الإسلامية ــ التى باتت توصف اليوم بالإسلام السياسى ــ إلى فترة انهيار الدولة العثمانية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقيام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس جمهورية تركيا على النمط الأوروبى، وإلغاء مفهوم الخلافة الإسلامية عام 1924، واستبعاد الشريعة الإسلامية من المؤسسات التشريعية، وتصفية رموز الإسلام والمحافظين، ما أدى إلى شعور دفاق لدى المسلمين الغيورين على دينهم بأن هناك خطرًا كبيرًا بات يهدد الإسلام، لاسيما بعد وقوع العديد من الدول الإسلامية تحت انتداب الدول الغربية المنتصرة فى الحرب العالمية الأولى، وكذلك انتشار حركة القومية العربية ذات النزعة العلمانية المعارضة لتطبيق الشريعة الإسلامية، فكانت هذه العوامل سببًا مباشرًا لانتشار ما سمى بحركات الإسلام السياسى فى كثير من الدول العربية والإسلامية.