لن يضيع الربيع
نعم لمن يقول بسوء المآلات التى وصلت إليها ثورات الربيع العربى فى كل من سوريا وليبيا واليمن، وربما تونس إلى حد ما، ولن نتحدث عما حصل فى العراق باعتباره ربيعًا، لأنه كان غزوًا أمريكيًا، استغل حقًا مشاعر النقمة ضد طاغية فاجر مجرم جاهل دموى، اسمه صدام حسين، ساهم فى الإطاحة به، راكبًا موجة النقمة ضده، لكنه أورث العراق ماهو أكثر سوءًا وإجرامًا من مظالم وكوارث ومجازر الطاغية العراقى الهالك، فلا سبيل إلى إنكار هذا الحصاد المر لأغلب ثورات الربيع العربى، وهذه الكوارث المرعبة الناتجة عنها، والطفح الإجرامى الذى طفا على السطح من بلاطجة وخريجى سجون وأصحاب سوابق تسيدوا على المشهد السياسى، وأحالوا بلدانا مثل ليبيا واليمن وسوريا إلى ساحات لأعمال المافيا سطوًا وقتلًا وخطفًا وتهريبًا للحشيش والسلاح وموئلًا لأهل التطرف والإرهاب، ومكانًا للمتاجرة بالبشر وقتلهم فى قوارب الموت.
وما كنا، فى ليبيا على سبيل المثال، نعتبره فترة انتقالية ستأخذ أشهرًا ثم تمضى، هاهى بفضل هؤلاء البلاطجة ومن أعانهم من السياسيين الذى ارتضوا أن يكونوا واجهات كرتونية لهم، تستمر خمسة أعوام دون أن نرى نهاية لها، إلا أنها سوف تنتهى بالتأكيد، وتنتهى معها مظاهرها الإجرامية، كما ستنتهى فى سوريا واليمن ليشرق الوجه الحضارى العريق لهذه الأقطار، صافيًا نقيًا من هذه الأوشاب وهذه الأوحال وهذه القذارة التى طفت على السطح، ويرى العالم المعدن الأصيل لهذه الشعوب العربية الأصيلة التى أنتجت حضارة تتحدى الزمن منذ سد مأرب، إلى عصر هارون الرشيد، إلى عراقة وأمجاد الدولة الأموية فى الشام، وسيظهر كل ذلك جليًا وضيئًا مثل عرق الذهب المطمور تحت ركام الأوحال والقمامة التى تكدست فوقه، وسوف تنتصر أهداف ومبادئ ثورات الربيع العربى، كما أرادتها الشعوب التى قامت بها، ضد الظلم والطغيان والفساد وإجرام الحكام المستبدين، وكما حلم بها الشهداء الذين بذلوا الدم والأنفس رخيصة على مذبح الوطن، مبادئ العدل والحرية والمساواة، والمضى فى ركب الحضارة أسوة بالأمم الأخرى، وانتفاع الناس بثروات بلادهم وما تزخر به من موارد مادية وبشرية وإمكانيات لا تتوفر إلا فى قلة من بلدان العالم، واثق ثقة كاملة فى أن هذا اليوم سيأتى قريبًا جدًا مؤمنًا فى هذه الحالة بقوله تعالى ((فاصبر صبرًا جميلًا، إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا)) صدق الله العظيم.
وأنا أقول هذا الكلام لأن كثيرين من أنصار الطغاة وعهودهم الإجرامية، وأنصار دوائر الفساد التى استحكمت فى رقاب الشعوب العربية، وأهدرت ثرواتها وعبثت بمقدراتها، تنتهز فرصة هذه المراحل الانتقالية العامرة بالأوشاب والأوحال وفوضى التحول وكوارثه، واحتساب أنها بسبب هذه الثورات، وليست إرثًا قديمًا من إرث الطغاة الذين حكموا هذه الشعوب، وتوابع لعهود التحريف والتجريف والتجهيل، التى اتسمت بها ممارساتهم وسياستهم، وسياسة أنا ومن بعدى الطوفان التى هى سياسة يتميز بها كل طاغية فى العالم من هولاكو وجنكيزخان ونيرون إلى صدام والقذافى وعلى عبدالله صالح، مرورًا بهتلر وموسيلينى وباتيستا، ممن مضوا إلى مصيرهم المحتوم فى الدائرة السفلى من الجحيم تطاردهم لعنات الضحايا والمظلومين من مواطنيهم.