أمة بلا تاريخ.. إنسان بلا ذاكرة
حلم طالما طاف بخيال الكثيرين نرجو أن تحققه وزارة الثقافة، ذلك هو شراء بيوت المفكرين والفنانين من ورثتهم تمهيدًا لإحالتها إلى متاحف.
اشترت فيلا أحمد شوقى وطه حسين لكن تعثر شراء فيلا أم كلثوم، وهو تقليد عظيم فى كل بلاد الدنيا التى تدرك أن التاريخ ذاكرة الأمة، وأن أمة بلا تاريخ كشخص بلا ذاكرة، وأن التاريخ ليس مجرد ما نقرأه فى الكتب رغم الأهمية البالغة لذلك، وهو ليس مجرد المناطق الأثرية ولا حتى المتاحف التى تضم المبعثر مما يُعثر عليه فى هذه المناطق وينظمها ويُحسِن عرضها، فالتاريخ حركة مستمرة، وعلينا أن نعرف حاضرنا القريب كما نعرف ماضينا البعيد.
وإذا كانت آثارنا الفرعونية قد استطاعت أن تقاوم الزمن لأن الذين أقاموها كانت تسيطر عليهم فكرة الخلود المادى، أى بعث الأرواح فى أجساد أصحابها بما يحتاجون إليه من طعام وشراب وخدم وحشم، فإن آثارنا القريبة لن نقاوم الزمن مقاومة مماثلة إذا نحن تركناها تحت رحمته لأنها تقام على أساس عقيدة مختلفة فى الحياة الأخرى.
لهذا يحرص المسئولون فى كل بلد على شيء من الوعى أن يقبضوا على التاريخ المعاصر وشواهده قبل أن يندثر ويبقوه حاضرا فى أذهان المواطنين بل والأجانب العابرين وذلك بمختلف الطرق وفى كل مكان يمكن استغلاله حتى يظل واقعًا ملموسًا وليس مجرد ذكرى من أيام التلمذة، وإقامة النصب التذكارية لبطولات الأمة والتماثيل لعظمائها وشراء بيوتهم وتحويلها إلى متاحف إحدى هذه الوسائل.
وكم أسفت حين علمت أن وزارة الثقافة لم تستطع أن تحصل من بيت شوقى إلا على جدرانه، أما أثاثه – الذى كان يمكن أن يكون نواة متحفه- فقد بيع بثمن أقل بكثير من قيمته الأثرية قبل أن تتم صفقة البيع مع وزارة الثقافة.
بقى بعد ذلك أن نحسن العرض ونحسن الدعاية وننجح فى أن نجعل هذه المتاحف ثقافة وسياحة وتجارة كما تفعل كل بلاد العالم المتحضرة فنستفيد ونفيد، وأن يؤمن قبل ذلك كله المسئولون عن التمويل أن مثل هذه المشروعات – إذا اُحسنت إدارتها- تدر من الأموال أضعاف ما يُنفق عليها فضلًا عن عائدها المعنوى وقيمتها التى تتضاعف بمضى الزمن.
والعقبى لمقبرة العظماء، الحلم الذى طاف بخيال المرحوم يوسف السباعى ولم يتحقق حتى اليوم.