عمر ...!!! مقال آخر الزمان
أنين الأقصى .. يبكيك .. وقلب الملتاع.. يناديك !!!!
"إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا" سورة المزمل
أعود إليكم وأنا حافظة على العهد مع الله ورسوله .. ومعكم .. أبدًا لا ينقطع ...
هل تتذكرون الفاتحة التى كنا قرأناها على صفحات جريدة الأهرام ... وتعاهدنا عليها ... ألا نخلف وعدنا مع الله سبحانه وتعاهدنا على القيام ما حيينا ...
ووفيّنا والحمدلله .. إن لم يكن على صفحات الأهرام .. فكنت معكم على الـ"فيس بوك" ..
والآن .. تفضل المولى عز وجل فضلًا عظيمًا.. بتجديد هذا اللقاء .. على جريدتكم الغراء ..
حيث كان حلمًا منذ التحاقى بالصحافة "منذ أكثر من ربع قرن .. أن أكون المسئولة عن جريدة .. أطوع كل كلمة فى صفحاتها لوجه الله ورسوله .. وللوطن .. ليس فقط مجرد صفحات كما كان من قبل ...
ها أنا ذا إليكم أعود .. ولكن ليس كسابق عهدى .. أعود بحزن أعظم.. وبقلب مثقل أكثر فأكثر ..
أعود ونحن على أعتاب آخر الزمان ... وعلى مشارف آخر الأيام ...
أعود وأقول لكم: لا نعلم كم من العمر يبقى ... وإلى متى نستمر ونحيا؟؟!!!
أو متى يأذن الرحمن بفراق آخر ... بحدث آخر.. !!! أو بموعدٍ ولكن لا يكون معكم .. وإنما فى لقاء ..
كم أتمناه ... وفى اشتياق إليه ...!!!!!!!!!
كم أرجوه ... وكم أتمناه ... !!!!!!!!!
وكيف لا : وهو لقاء الله عز وجل .. كل ما أتمناه .. وأرجو أن تساعدونى فيه ...
هو أن يظل حبنا فيه قائمًا .. لا ينقطع مهما اشتدت الأحداث .. وازدادت الابتلاءات ..
كل ما أعرفه .. وبيقين مطلق .. أننا على أعتاب الرحيل .. على طريق الوداع ..
حقيقة .. أمسك بقلمى اليوم... وينتفض قلبى .. وترتعش أصابعى فى سباق مع ارتعاد فرائسى .. فرحًا بلقائكم على الورق .. وخوفًا من لحظة وداع أخرى أيًّا كانت ...
قرائى الأعزاء الأحباء الغاليين ..
وحشتونى قوى ...
وحشتونى جدًا ...
وحشتونى من أعماق حياتى ..
وحشتونى .. بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ودلالات .. وبكل ما تحمله الحروف من حنين وأحزان وآهات...
كل ما أعلم أن تنتهى الدنيا .. ونحن فى آخر الزمان .. ولا يكون فى قلوبنا إلا الحب .. والرحمة .. والوئام ...
لا يتسع إلا لحب الحبيب الرحمن .. حتى نتشرف برؤية نور وجههه الكريم .. وصحبة الشفيع الحبيب النبى العدنان .. صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ...
فى آخر الزمان .. بعد أن تعددت الشواهد التى سوف نسردها معًا... تباعًا ... لعلنا نلحق ما تبقى من أيامنا .. وما كان من أشلاء أنفسنا ...
نحاول أن نستجمعها على خالقها سبحانه وتعالى ...
فى ابتلاء عظيم .. وهو تغيير الزمن .. وتغير البشر .. وتقلب الأحوال .. وما كان يحيطنا من شرور ومعاصى وآثام وخطايا وآلام ..
وكـأننا فى سباق عظيم مع الأيام .. لعلنا ننعم ونعبر ... ونفوز ... ونخرج من الدنيا بسلام وأمان.
ونحن على أعتاب خارج الزمان .. أنظر حولى أريد أن أرى القوة المجردة التى أستطيع أن ألمسها بيداى.
أتمكن منها بقبضتى ... لعلها تعيننى وأنا لا أزال أصارع أمواج الحياة العاتية المتلاطمة ...
التى لا تريد أن تخرجنى من بين دوامة رياحها أبدًا ...
أفتش عن مصادر أستمد منها قوتى بعد الله وكتابه ورسوله العظيم "صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم" ..
أحاول أن أؤيد الأقوياء أصحاب الصوت العادل حتى أتمكن من تثبيت أركانهم .. حتى أقوى أنا بهم ..
ومعهم لأواصل رسالتى ... وأستكمل مسيرتى ..
أحاول ذلك وأنا أنوح على حال أمتى ...
وأنهار لما انتهى إليه حال دينى ...
حيث أكتفى بالبحث عن قوى بين الأحباء فى هذه الأثناء ... بل وإنما أبحث عن تلك القوى بين راحلين فى ذكراهم .. من ذكراهم العطرة وأريج عبقها .. ورجولتهم وشرفهم ووطنيتهم .. لأستمد منهم قوتى ...
أستمد منهم عافيتى وصحتى ... وأحلامى وآمالى ...
فى رسالتى ومسيرتى اتجاه الله وحتى ألقاه ..
لا يفارقنى رسول الله صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ...
وأستاذنه هذه اللحظات ...
أن أبدأ جهادى هذه المرة .. بحديث عن أحد العمرين اللذين دعا رسول الله صل الله عليه وسلم المولى عزوجل أن يعز الإسلام بأحدهما ...
أيا عمر للزمان لحنا خالدا للأيام ذكرى تهدى شاردا
للرحمة عنوانا شامخا ممجدا للرجولة فخراً وعزا مؤيدا
للقوة رمزا وشرفا بارزا وناراً وسيطاً وكرباجاً للعدا
للإنسانية درسا باكيا متهجدا للإسلام أسداً زائرا ماردا
سفيراً كريما عن النبى محمدا شرفاً لأمة تغسل عار متمردا
لك عندى من الكلام مقصدا ماهو إلا حق فلا أكون أزيدا
نعم أسلم عمر...
وقبل أن أحكى عنه رضى الله عنه وأرضاه ...
أناديه .... وأبكيه ... وأحاكيه ... وأستدعيه فى الشدائد ...
وبملء سمعى وبصرى وفؤادى ....
أناديه ...
أين أنت ياعمر ...
كم نحتاجك ياعمر ....
فى الدين والدنيا ياعمر ...
كان هذا زمانك ... وياليتك
كنت بيننا يا عمر ...
فرقة المسلمين وشتاتهم ..
تحتاج إلى شدة يمينك ... وحزمك ... وعزمك ياعمر ...
الأغنياء قبل الفقراء ... والأقوياء قبل الضعفاء ...
والعامة قبل الحكماء ....
كلهم يحتاجون إليك وإلى عدلك ياعمر .....
ياعمررررررررررررررررررررررررررررررررررر
أين أنت ياعمر ....
ياعمر الفاروق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!
أمتك... تحتاجك .. تفتش عنك ..
تبحث .. تئن .. تتوجع ..
تتألم .. لفراقك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!
المقدسات تبكيك بنحيب
مرير تسترحمك أنقذنا ياعمر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!
تناديك أن تعود ...
أدركنا ياعمرررررررررررررررر ...
الأقصى الجريح .. الأقصى الأسير ...
يحن إليك .. يتوسل إليك ...... أن تعود ياعمر
أن تعود لفك أسره ..
لانتشاله من دنس اليهود .. ياعمر ...
أتذكرك اليوم ياعمر .. وأنا أخرج بجريدة الزمان ..
فى ذكرى الاحتفال بالمعجزة الخالدة بخلود القرآن ..
ذكرى الإسراء والمعراج .. التى كانت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ....
ارتبكت أجندتى .. واختلطت أفكارى ... وتشوشت مشاعرى ... وأحاسيسى ... وتفتت وجدانى ... فانهار كيانى ...
أى فرح أفرح به اليوم .. لذكرى أحييها ...
وأتبارك بها ... وأتيمن بها ...
ومكان الفرح ... جريح ..مكان الفخر .. أليم .. وصوت الدهر أنين ..
وبكاء الكون رنين .. للضمائر يهز الوجد ... ويحر الحصين ....
ويجذب الضمير الغائب أو المستكين المستهين ....
فأى معنى من الفرح على طول السنين ..؟؟؟؟؟!!!!!
كيف يكون والأقصى أسير ... مدنس بأقدام اليهود الصهاينة الملاعين ....
أدركنى ياعمررررررررررررررررررررررررر
بات الأقصى مظلمًا عليلًا ... يحتاج صليل سيفك ...
البطار خير الخليل ....
وإلى صهيل جوادك الأصيل ....
بات الأقصى .. يناديك ... تئن جدرانه من هول ما يحدث فيه من دنس وتخريب وطمس وإقصاء هوية ومحاولة هدمه بدعاوى الكذب والتضليل ....
أدركنى ياعمرررررررررررررررررررررررر
إنهم يطوقون أمة حبيبك صلوات الله عليه وسلم ...
وأنت غائب .. لو اجتمعت أنت لنصرته .. أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول ..
لما تجرأ أحد أن يطول المسجد الحرام ... أو يعكر صفو المسلمين فى أغلى الأيام وأشدها حرمة ... عند الله عز وجل فى موسم الحج مثلما حدث فى العام المنصرم ...
ولا أدرى ماذا يخبئ لنا الزمان وتحمله الأيام ... وتفاجئنا به الأقدار فى الموسم القادم ...
"تمزقنا ياعمر"..!!!!!!!!! "تهلهلنا ياعمر" ..
أبكيك ياعمر .. ما عدت أدرى..على أى أناديك.. الأقصى أم الكعبة.. أم أرض المحشر ..سوريا ..ياعمر
أرض المحشر ... سوريا أرض الميعاد ... تستدعيه ..
أنت تسمعنى ياعمر .. هكذا قال القرآن ...
"أحياء ولكن لاتشعرون"
نحن الذين لا نشعر ... أصمتنا الدنيا ياعمر ...
إنهم يمزقون عرى الأمة "يفتكون بالمسلمين ياعمر"
تئن الأرض وتتململ من رائحة الدم التى افترشت حباتها حزنًا على أجساد لم تجد من يأويها فى باطنها .. ياعمر ...
تأكلها الجوارح بعد أن صرعتها أسلحة دمار الأعداء والخوارج ياعمر ....
المسلمون فقدوا المروءة والشهامة ياعمر ...
من يتصدى منهم قلة ... ينكل بهم وبشعبهم ...
بكل خسة وندالة يجوعونهم ياعمر ....
لو اجتمعت الأمة لنصرة الأقصى ... لما كان كل ما كان من انتهاك حرماتها فى الأقصى ... وفى المساجد ... وتجاه القرآن .. وتجاه النبى العدنان وذكراه ... فى أى مكان وزمان ...
لذلك أجلجل بالحديث عنك يا محرر الأقصى العظيم.. الذى سوف أتغنى بك وببطولاتك فى تحرير الأقصى ...
لعلى .. أحرر الضمائر.. أحاول أنقذ الحرائر.. وأحرك السواكن .. وأنفخ فى روع المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها ..
وأقول لهم "مات عمر".. ولكن ذكراه .. ما زالت حية بوجود الأقصى بدوام الله ودوام ذكر رسوله ... إن ذكرى عمر حية بوجود المسلمين ..
بدوام الآذان وصوم رمضان ... وتلاوة القرآن ... إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فى آخر الزمان ...
سلام الله عليك ياعمرررررررررررررررررر
إنه عمر...
تلك القوة التى شاركت نبى الإسلام ... تلك القوة التى تركت الدنيا واعتلت عليها .. رغم أنه كان يملكها بعقول وضمائر ملكها أنذاك في الجاهلية الأولى ..
إنها تلك القوة التى أعرضت عن تلك الدنيا .. لتملكها ...
بأقوى مما كانت عليه .. وبعقلية أرجح مما كان عليه ..
إنه عمر .. شريك بنو الإسلام والسلام ..
فى الخروج من الظلم والظلمات إلى النور بعد شدة الغيابات ..
إنه بن الخطاب .. إنه الفاروق العادل ...
عمرررررررررررررررر .. أنشودة ذلك الزمان ..
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى .. بن غالب القرشى العدوى...
ويجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وصحبه وسلم محمد فى كعب بن لؤي بن غالب.
ويكن أبا حفص
ولقب بالفاروق .. لأنه أظهر الإسلام بمكة، ففرق الله به بين الكفر والإيمان.
ولد عمر بن الخطاب بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ..
ولقد خلع الله سبحانه وتعالى على صفاته الجسدية الكثير من معالم الرجولة الخشنة الواضحة التى كانت لها آثارها فى بنيانه لتكون رمزًا للهيبة والرجولة بكل شموخها ..
فكان رضى الله عنه أبيض تعلوه حمره .. جميل الخدين والأنف والعينين .. غليظ القدمين والكتفين .. مجدول اللحم ..
كان طويلا جسمًا.. أصلع .. فرعًا .. طويلًا طولًا مميزًا ... كأنه راكب على دابة وكان قويًا شديدًا .. لا واهنًا ولا ضعيفًا ..
كان يخضب بالحناء .. كان طويل السبلة .. وهى طرف "طرفة الشارب" و كان إذا غضب أو أحزنه أمر يمسك بها ويفتلها ..
وإذا مشى أسرع .. أى كان سريع الخطوة .. وصوته جهورى ... واضح مسموع ..
وإذا جذب أوجع .. أى أنه كان قويًا حتى فى ضربة كفه ..
كان والده الخطاب بن نفيل ... حيث كان جد عمر نفيل بن عبد العزى ... ممن تتحاكم إليه قريش ...
وأما والدته .. فكانت حنتمة بنت هشام بن المغيرة، وقيل إنها بنت هاشم أخت أبى جهل ...
وكان له من الزوجات والأبناء والبنات .. فقد تزوج فى الجاهلية "زينب بنت مظعون ... وأم حكيم .. وجميلة بنت عاصم .. وعاتكة بنت زيد ..
هذا هو بن الخطاب الذى ولد ونشأ وترعرع فى مجتمع الجاهلية ..
الذى كانت نشأته كسائر أمثاله من أبناء قريش .. إلا أنه كان يتميز عليهم .. بأن كان ممن تعلموا القراءة وحيث كانوا قليلين جدًا ...
ولكن كان متفردًا منذ طفولته وحتى كبر مع الأيام ... حيث إنه حمل المسئولية صغيرًا ... ونشأ نشأة غليظة شديدة وصعبة ...
في بيئة وظروف اجتماعية لم يعرف فيها ألوان الترف ولا مظاهر الثروة
حيث دفعه أبوه الخطاب صغيرًا فى غلظة وبكل قسوة إلى المراعى كى يرعى إبله..
وبمعاملة كانت غاية فى القسوة .. مما ترك فى نفس عمر أثرًا سيئًا..
إلى حد أنه كان يذكرها بقدر كبير من المراراة طيلة حياته ..
وهذا ما أكده عبد الرحمن بن حاطب ..
كنت مع عمر بن الخطاب بالبطحاء .. وعمر آنذاك ..
فقال كنت أرعى للخطاب على عدد قليل من التمر بهذا المكان .. فكان فظًا غليظًا .. كنت أرعى أحيانا وأحتطب أحيانا ..
هكذا الذكريات الأليمة فى حياة المرء ... لايمكن أن تدخل دائرة النسيان ..
فإذا كان على اللحظات الحلوة العذبة أن تغشيها غبار الأيام ..
إلا أن اللحظات الأليمة الصعبة .. لايمحوها أبدًا عبير الأيام الأخرى .. مهما مر عليها ..
حين تحفر في قلوبنا صغارًا .. حينما تكون القسوة من أعز وأغلى وأقرب الناس فما بال... أبٍ قاسٍ ...
ذلك الألم الذى كان يقطر بكل حزن على لسان عمر الفاروق العادل والذى حين جاء الإسلام ... إنما ليضرب على هذه الأوتار التى قد نتصورها مواطن ضعف .. إلا أنه فى خروجها .. قنوات ومصادر قوة ما بعدها ... وهى تنتقم من ظلم الأيام ولا يكون إلا بنقيض ما كان منها .. وهو العدل المطلق الذى أحياه وعززه بداخله ونظمه سبحانه وتعالى حين أنعم عليه بنعمة الإسلام ..
وكما لو كان يعده .. ليكون صوتًا خالدًا لذلك العدل المطلق ...
لقد شاء الله تعالى لعمر أن ينشأ تلك النشأة ... التى غرست فيه الآلام والأحزان.
ابن الخطاب .. ليترك أقوى الأثر وأعظم التأثير وحين كان يتحرك بن الخطاب الفاروق العادل عمر رضى الله عنه وأرضاه ...
وهو يردد ألمًا بلسانه .. حين كان يئن فؤاده ...
وقلبه وكل جوارحه وهو يستعيد ذكرى قسوة أبيه ...
فما كان على لسانه إلا "لا إله إلا الله العلى العظيم" المعطى ماشاء لمن شاء ..
كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادى فى مدرعة صوف .. وكان فظًا يتعبنى إذا عملت، ويضربنى إذا قصرت .. وقد أمسيت ليس بينى وبين الله أحدًا.
كان حمله ثقيلًا وهمه مستحيلًا ... ولكن فتح الله عليه ليقطر لسانه قولاً جميلاً وهو يقول :
لاشيء مما ترى تبقى بشاشته............. يبقى الإله ويردى المال والولد
لم يكن ابن الخطاب رضى الله عنه يرعى لأبيه وحده .. بل كان يرعى لخالات له من بنى مخزوم ...
يا إلهى .. كل قول له بعد إسلامه .. يؤكد أن الله عزوجل ما كان إلا ليجهزه لذلك اليوم الذى يصير فيه أمير المؤمنين ...
وذلك حين كان يحدث نفسه رضى الله عنه وأرضاه .. يكبح جماح نفسه بعد أن أصبح أميرًا للمؤمنين .. حين حدثته .. من ذا أفضل منه ..
حين وقف يومًا بين المسلمين يعلن أنه لم يكن إلا راعى غنم .. يرعى لخالات له من بنى مخزوم .. حيث نادى بن الخطاب بالصلاة جامعة ...
فلما اجتمع الناس وكبروا صعد المنبر وأثنى على الله بما هو أهله وصل على نبيه عليه الصلاة والسلام . ثم قال: "أيها الناس .. لقد رأيتونى .. أرعى على خالات لى من بنى مخزوم .. فيقبضن لى قبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومى وأى يوم"...
ثم نزل فقال له عبد الرحمن بن عوف .. يا أمير المؤمنين .. مازدت على أن قمأت نفسك .. "عبت نفسك".. فقال: ويحك يا ابن عوف !!
إنى خلوت ... فحدثتنى نفسى .. قالت .. أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك؟
فأردت أن أعرفها نفسها .. وفى رواية إنى وجدت فى نفسى شيئًا، فأردت أن أطأطئ منها ...
لقد كانت حرفة الرعى مع قسوة أبيه التى ارتبطت بعمر بن الخطاب فى مكة قبل أن يدخل الإسلام قد أكسبته صفات جميلة... "نادرة"... بل جسدت شخصية متفردة ...
اتسمت بقوة التحمل .. والجلد ... وشدة البأس ...
إلا أنه لم يستسلم لأن يكون راعى غنم فقط .. بل اعتمد على نفسه ..كان عليه .. أن يروض تلك النفس .. يحاول هو أن يمسح عليها ويرحمها محاولا أن يسرى عنها ...
فلم تقتصر حياته على رعاية الغنم .. بل أنه حرص من أول شبابه ...
على رياضة .. لتقوية البدن .. فبرع فى المصارعة .. وركوب الخيل والفروسية ..
ليس هذا فقط وإنما تتوج بتاج العرب "الشعر" حين تذوقه .. نظم من الكثير ...
لم يكن فى فتى أو شاب لاهى ... سطحى .. مفلس من الثقافة أو الفكر ..
فكان يهتم بتاريخ قومه وشئونهم .. بل وحرص على الحضور فى أسواق العرب الكبرى .. مثل "عكاظ .. ومجنة، وزى المجاز"، حيث استفاد منها فى التجارة ومعرفة تاريخ العرب ...
كان ابن الخطاب حريصًا على معرفة علاقات القبائل من وقائع ومفاخرات ومنافرات .. حيث تعرض تلك الأحداث فى إطار آثار أدبية ..
حيث كان يتناولها ويتداولها كبار الأدباء بالنقد على مرأى ومسمع من ملء القبائل وأعيانها ...
مما جعل التاريخ العربى شريطًا من ذكريات أبدًا لا يسدل عليها الستار ...
وبالطبع لم تخل ذاكرته من الحوادث .. من لمحات عن الحرب .. وتحديدًا "عكاظ" – بالذات التي كانت سببًا مباشرًا فى حروب أربعة سميت "حروب الفجار"
واستمر ابن الخطاب فى حياته التى بدأت تتضح ملامحها مع اشتغاله بالتجارة .. حتى صار من أغنياء مكة ...
بل وكسب معارف متعددة من البلاد التي زارها للتجارة فرحل إلى الشام صيفًا وإلى اليمن شتاءً .. واحتل مكانة بارزة فى المجتمع المكى الجاهلى .. إلى أن أصبح طرفًا مهمًا بشكل فعال فى أحداثه ...
خاصة أنه حفيد جده نفيل بن عبد العزى الذى تحتكم إليه قريش فى خصوماتها ...
فضلًا عن أن جده الأعلى كعب بن لؤى كان عظيم القدر والشأن عند العرب...
حيث أرّخوا بسنة وفاته إلى عام الفيل ..
وهكذا ورث وتواراث عمر عن أجداده هذه المكانة الخاصة المهمة التى أثقلته فكرًا ومهابة ... كما أنها أصقلت فطنته وذكاءه ... وهذا ما سجله له التاريخ فى قضايا الخصومات قبل الإسلام ...
ويقول ابن سعد: إن عمر كان يقضى بين العرب في خصوماتهم قبل الإسلام.
هذا هو ابن الخطاب ... الفاروق العادل .. الذى كانت قسوة الحياة عليه سبب رجولته .. وصدى قوته ... وصوت عدله ...
كان هنا الاعتماد على النفس .. فكانت الشخصية المستقلة ..
كان هناك تحمل المسئولية .. فكانت الشخصية القيادية الناجحة ...
كان هناك زمن يربى الرجال ... فكان هناك رجل هو خير وفخر للرجال ...
.. على مر التاريخ .. مهما مر من الزمان وتبدلت الأيام والأحوال ....
إنه ابن الخطاب الذى سوف تعيش معه .. رجولته ...
إنه عمر الذى سوف يحيى معه الدين ويتجدد بالحديث عن إيمانه ...
إنه الفاروق العادل الذى سوف نبكى لشدة رحمته ...
ونقوى بقوته ونحن نعيد ذكراه وذكرياته ..
لعلنا نجد معه الدرس الذى تلقاه على يد النبى العدنان بالسنة الشريفة من القرآن . الدرس الذى يحتاجه ذلك الزمان ...
الرجولة .. القوة .. الإخلاص ... الضمير
المواجهة .. الحق .. العدل .. الرحمة ..
المسئولية وشرفها ... فى حماية الأوطان ...المسئولية وشرفها ... فى تشريف الإسلام
المسئولية وشرفها .. فى حماية المقدسات ...
معًا سنفرح بإسلام عمر ورقته واعتزاز الإسلام به قبل دخوله فيه ...
الأسبوع القادم إن شاء الله إن كان فى العمر بقية ....