الشارونى.. الموسوعى الذى فقدناه
برحيل رائد المذهب التعبيرى فى القصة القصيرة الأديب الكبير يوسف الشارونى لم أفقد فقط أخًا وصديقًا، لكنى فقدت أيضًا أبًّا وأستاذًا وإنسانًا رائعًا لم يدع مناسبة إلا واتصل بى مستفسرًا أو مباركًا أو معزيًّا، إذ كان قبطى العقيدة، مسلم الهوى والثقافة والمواطنة، لهذا كانت ترحاب زميلتنا رئيسة التحرير أ. إلهام شرشر كبيرًا حين رشحته للكتابة فى "الزمان"، وموافقتها الفورية على الترشيح، لإدراكها أنه قيمة وقامة، وإضافة كبيرة لجريدة محترمة.
وبالفعل التزم أ. الشارونى بالكتابة أسبوعيًا فى العدد الورقى من "الزمان" منذ عدد الجريدة الرابع، ولم يتوقف عن الكتابة بها رغم كبر سنه ومعاناته من المرض، إلى أن قضى الله أمره واسترد وديعته، وكانت فجعيتى به كبيرة على المستوى الشخصى والمهنى، وأحسب أن هذا الشعور نفسه تملك كافة العاملين بـ"الزمان" وقرائها، الذين تعودوا على مقالته تزين الصفحة الأخيرة من جريدتهم.
والشارونى كـ"كاتب" عاش حياته ملتزمًا فى محراب الإبداع، واهبًا كل لحظة منها لفنه القصصى ودراساته الأدبية والنقدية المتميزة بالعمق، والتى بدأت قبل 63 سنة بصدور مجموعته القصصية الأولى "العشاق الخمسة" عام 1954م، جامعًا فيها بين التجديد والوعى بالموروث، ومثريًا المكتبة العربية بما يزيد على خمسين كتابًا فى القصة القصيرة والرواية والدراسات النقدية وأدب الرحلات والتراث العربى، ومن أهم أعماله القصصية: رسالة إلى امرأة 1960م، والزحام 1969م، وحلاوة الروح 1971م، ومطاردة منتصف الليل 1973م، وآخر العنقود 1982م، والأم والوحش 1982م، والكراسى الموسيقية 1990م، كما قدم عام 2006م روايته اليتيمة "الغرق" التى صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، واستلهم نصها من قصة واقعية، هى قصة غرق العبارة سالم أكسبريس فى أثناء عودتها من ميناء جدة إلى ميناء سفاجا ثم ميناء السويس، وأطلق الراحل عليها مسمى "تحقيق روائى"، لأنها نوع من الروايات مبنى على حقائق تاريخية وأحداث موثقة، استخدم فى كتابتها أسلوبًا تجريبيًا جديدًا، معتمدًا على قصاصات من الجرائد والمجلات التى تناولت الحادثة، والشهادات والاعترافات التى أدلى بها الناجون من الحادث.
وقدم فى مجال النقد التطبيقى عدة مؤلفات تميزت بالثراء منها: دراسات فى الأدب العربى المعاصر 1964 - مؤسسة التأليف والنشر – القاهرة، ونماذج من الرواية المصرية 1977م - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة (حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى النقد 1979م)، رحلتى مع الرواية 1986م - دار المعارف، فى الأدب العمانى الحديث 1960م دار رياض الريس للكتب والنشر – لندن، الحكاية فى التراث العربى 2008م المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة، وفى مجال النقد التنظيرى: دراسات أدبية 1964م - مكتبة النهضة القاهرة، القصة والمجتمع 1977م سلسلة كتابك، دار المعارف – القاهرة، الأذان فى مالطة 2005م الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكتب أخرى، كما قدم تراجم لشخصيات أدبية: (الروائيون الثلاثة (نجيب محفوظ، يوسف السباعى، محمد عبدالحليم عبدالله، ط1 الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2 2003م مركز الحضارة العربية، أدباء ومفكرون 1994م الهيئة المصرية العامة للكتاب، مبدعون وجوائز 2003م الهيئة العامة لقصور الثقافة، وغيرها، وفى مجال الدراسات التراثية قدم مجموعة كتب منها: قصص من التراث العمانى 1988م، توزيع مجانٍ، مسقط، مع التراث 1996م الهيئة المصرية العامة للكتاب، عجائب الهند لبزرك من شهريار ط1 1990م رياض الريس وشركاه لندن ط2 1998 م الهيئة العامة لقصور الثقافة، أخبار الصين والهند لسليمان التاجر وأبى زيد حسن السيرافى 1999م - الدار المصرية اللبنانية القاهرة، فضلًا عن عدة ترجمات منها: سينيكا، أوديب، إعداد تدْ هيوز،1988 م سلسلة المسرح العالمى، وزارة الإعلام بالكويت، سير روبرت هاى، دول الخليج الفارسى، 2004م المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
وبرحيل هذا الأديب العملاق تطوى صفحة مجيدة فى سماء الأدب، وإن ظلت أعماله تتحدث عنه.