حقوق الإنسان وواجباته فى الإسلام
فى سورة البقرة أرسى قوله سبحانه وتعالى: «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ» أولى حقوق الإنسان متمثلة فى حقى المسكن والمأكل، وقرر فى المقابل واجبًا على أبى البشر آدم وزوجه حواء، هو ألا يقربا الشجرة المحرمة.
وقد ارتبط الحق بالواجب فى علاقة تلازم بحيث يستحيل الفصل بينهما، فكل حق لإنسان يقابله واجب على إنسان آخر أو على الدولة، بعمل أو بالامتناع عن عمل، بل أن الحق قد يكون فى بعض الحالات واجبًا أيضًا على صاحب الحق، فالعمل مثلًا حق لكل إنسان، وفى الوقت نفسه واجب عليه، قال تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، وقال، عليه الصلاة والسلام، «أشرف الكسب كسب الرجل من عمل يده»، والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة فى فضل العمل ووجوبه كثيرة.
والواجبات فى الإسلام نوعان: عينى وكفائى، فالعينى يناط بكل مكلف ويتوجب فعله على كل فرد ولا يسقط عن الشخص بقيام الآخرين به، مثل أركان الإسلام فيما يتوجه الواجب الكفائى إلى مجموع المكلفين، وليس إلى كل شخص على حدة.
وجاءت بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، لتحقق التكامل بين حقوق الإنسان وواجباته، ومن قبل أن يولد، وبعد مولده، وتمتد إلى ما بعد وفاته فى تشريع سماوى بديع، ربط مسألة إيمان الفرد برعايته لها، ففرض بذلك على الوجدان المؤمن مسئولية الالتزام بها، جاعلًا من الحس الدينى رقيبًا ذاتيًا، وغنى عن القول ما للحس الدينى من سمو روحى لايتوافر لأى التزام آخر، فالبعض قد يتحايل على القانون أو يخالفه فى غيبة الرقيب أو ممثل السلطة، لكنه يعلم باستحالة التحايل على القانون الإلهى، لإدراكه أن المولى جلت قدرته «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ».
وقد كان فى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة لسائر المسلمين، بإحقاقه الحقوق، وعلى دربه عليه الصلاة والسلام سار أصحابه، وينقل لنا بعض مؤرخى إعلان ميثاق الثورة الفرنسية فى حقوق الإنسان أن لافاييت - أحد قادة الثورة - بعد تلاوة المادة الأولى القائلة: «يولد الرجل حرًا ولا يجوز استعباده»، قد نادى بعد وراء اثنى عشر قرنًا من مقولة عمر بن الخطاب التاريخية,، وقال مخاطبًا ابن الخطاب: «إنك أنت أيها العربى الذى حققت العدالة كما هى»، مما يمثل اعترافًا صريحًا بأن إعلان الثورة الفرنسية إلغاء نظام الإقطاع والمناداة بحرية الإنسان منذ ولادته، إنما كانا مقتبسين من مقولة عمر التاريخية العظيمة، التى كانت قد وصلت إليهم عن طريق الأندلس الإسلامية، مع فرق كبير فالتعبير الفرنسى الخاص خص بالحرية «الرجل فقط»! فيما كان تعبير عمر بن الخطاب أشمل، حين خص «الناس» الشاملة أولًا للذكور والإناث والمنصرفة ثانيًا بذلك لجميع الأعراق والأجناس والأوطان.
إلا أننا إلى أنه حين نشرح حقوق الإنسان وحرياته فى الإسلام، ونقارن بينها وبين ماحوته البيانات والمواثيق الوضعية، لا ينبغى – كما قال أحد المفكرين - أن نرتب على ذلك نتيجة أن المسلم المعاصر فى هذا البلد وذاك من بلاد الإسلام أحسن حالًا - من ناحية تمتعه بحقوق الإنسان وحرياته - من الإنسان الغربى فى بلاده، فهذه النتيجة قضية أخرى لا تحتاج إلى مقارنة كتب بكتب، وإنما إلى مقارنة واقع بواقع، وهنا سنجد أن القليل المتواضع فى يد القوم من مبادئ، قد طبقوا منها جانبًا، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من رقى وتقدم، بينما الثروة النفسية فى أيدينا لم نطبق منها إلا القشور، فكان حالنا على ما نحن عليه.