المواطن بطاطس
أراد رامى أن يكون ممن يسهمون فى تنمية الوطن وتقدمه، مثلما روجت لذلك الإعلانات الكثيرة على شاشات القنوات المصرية الحكومية والفضائية التى دعت كافة المصريين فى الخارج - قبل سنوات عديدة- إلى التكاتف مع بلدهم، وإلى التحلى بروح الفداء وروح العطاء والتعاون على بناء بلدهم فى الداخل بإقامة المشاريع المتباينة وافتتاح الشركات وتعزيز الاقتصاد المصرى.
تشاور رامى مع زوجته الألمانية فريدريكا لأيام وأسابيع طويلة، وهم يشاهدون القنوات المصرية مساءً وصباحًا، ويطالعون تلك الفقرات والبرامج الوطنية الدعائية، حتى تسرب الوطن إلى قلب رامى فترك ألمانيا فى لحظة تشبع بالحنين إلى الوطن وهبط إلى مصر فى رحلة سريعة محملًا بماله كله الذى جناه مع زوجته فى سنوات طويلة قاربت على الخمسة والعشرين سنة من العمل فى مختلف المجالات منذ وضع قدمه فى إحدى المدن الألمانية قادمًا على ظهر باخرة من مدينة ساحلية مصرية جميلة.
ولم يترك الرجل خلفه – فى ألمانيا- إلا قدرًا يسيرًا مما جنى الزوجان من مال، طمعًا كان أو أملًا، لا يعرف رامى، وربما كان مزيجًا من الطمع والأمل فى أن يحقق نجاحًا فى رحلة العمل الوطنية الطابع.
صعد رامى إلى الطائرة المصرية محملًا بأحلام وآمال كبيرة فى أن يجد شريكًا أو شركاء تجارة مصريين مناسبين فى مدينته الغالية العروس الباهرة التى طالما حن إليها وإلى ذكرياته وإلى حياته فيها وإلى خطواته فيها، إلى بيت أسرته وإلى مدرسته، وإلى حضن عائلته وكنف أصدقائه المخلصين.
وبعد قليل من الاتصالات مع عدد من الجهات المصرية، علم بوجود مؤتمر لرجال الأعمال والمستثمرين خلال أسابيع، حيث يمكن للمرء أن يقابل الكثير من رجال الأعمال والمستثمرين والمطورين وأصحاب الأفكار المثمرة والباحثين عن الممولين لمشاريع جيدة تنتظر الدعم المالى وتنتظر من يؤمن بها لتخرج إلى النور وإلى رحاب فرص النجاح والمكاسب المادية، لا داعى للتردد إذن فكل شيء يبدو مهيأ ومشجعًا.
هبطت طائرة رامى فى مطار الإسكندرية والجو شتاء مطير، ولكن رامى أحس كأنه عاد إلى الحياة عندما فتح باب الطائرة واستقبله هواء بلده بكل محبب إلى نفسه، فتسمر فى مكانه لدقائق كأنه يعود إلى نفسه وإلى كونه وإلى وجهه وملامحه الحقيقية.
ابتسم رامى لنفسه وهو يهبط على سلم الطائرة ممنيًا نفسه بإقامة طيبة وانتعاش شيق للذكريات القديمة، وقبل هذا وذاك بالتوصل إلى صفقة طيبة، ولم يضع رامى وقتًا، بل سارع إلى مؤتمر رجال الأعمال، ليخرج من ذاك المؤتمر وقد اتفق مع ثلاثة أشخاص على تمويل مشروع مدر للربح كما وعده الشركاء الثلاثة، وخلال أيام قام رامى بتوقيع العقود وأصبح مديرًا مسؤولا لشركة جديدة ذات اسم رنان على يافطة طويلة عريضة.
لم يداخل الشك قلب رامى فى سلامة الطوية لدى شركائه الثلاثة، وتولى مظهرهم المنمق ما بقى من تساؤلات فى ذهن رامى، فقد بدا الشركاء الثلاثة وجيهى المنظر ومهندمى الملبس من الرأس إلى أخمص القدم، وراحو يتنقلون فى سيارات فارهة مبهرة الطلعة. فراح رامى يهنئ نفسه بهذا التوفيق الرائع الذى لم يكن ليحلم بمثله فى مثل هذا الوقت الضيق، فلملم متعلقاته القليلة التى حملها من ألمانيا إلى مصر وعاد إلى زوجته فريدريكا مزفوفًا فى ألوان الفرح والبشارة.
توالت الاتصالات بين رامى وشركائه بشكل مكثف خلال الشهور التالية، حتى بات رامى يكاد يقفز من الفرح مما يساق إليه من أخبار مبهجة بشأن تقدم الصفقات التجارية التى يتولاها الشركاء الثلاثة بخبرتهم ومثابرتهم التى حكوا عنها وتحاكوا وبرهنوا عليها بصور فوتوجرافية وشهادات متباينة من هنا ومن هناك، وعندما وجد رامى فرصة للنزول إلى القاهرة لمقابلة شركائه بعد زمن طويل من الاتصالات الكثيرة الرحبة، هبط رامى إلى الإسكندرية ليرى ما حكى له عن مخازن البضائع التى تحتفظ فيها الشركة بوارداتها وصادراتها ويرى مقر الشركة ليسر قلبه ويسر قلب زوجته التى تتابعه بشغف على الهاتف من ألمانيا.
قفز رامى فرحًا – رغم سنه المتقدم– فى سيارة خاصة استأجرها قبل وصوله بطريق الإنترنت قاصدًا مقر الشركة الذى أحيط بعنوانه بدقة من شركائه خلال مكالماتهم العديدة، وعندما وصل رامى الى العنوان الموصوف وجد عمارة سكنية لا مكان فيها لشركة ولا مخزن، فزهل الرجل وأسقط فى يده وطار إلى المخازن المزعومة لعله على خطأ، ولكنه لم يجد فى الموقع مخازنًا، بل جراجًا للنقل العام ولا شيئًا آخر، وقد تسارعت دقات قلب الرجل وعلت علوًا كأنها تضرب رأسها، حتى أوشك الرجل على الإغماء من هول ما صادف.
وسارع رامى إلى الاتصال بشركائه الثلاثة الواحد تلو الآخر وهو يصرخ: أين الشركة وأين المخازن يا بشر؟ أين مالى؟ أين الأمانة وأين الضمير؟ ما هذه العناوين البالية الكاذبة؟ وما هى القصة؟ لقد خسرت الشركة فى أكثر من صفقة من صفقاتها حتى لم يعد هناك وجود لها، وربنا يعوض عليك وعلينا.
هكذا كان رد الشركاء على رامى الذى سقط مغشيًا عليه، وظل راقدًا طريح الفراش لثلاثة أيام متتالية، حتى استطاع أن يجمع شتات نفسه ويعود إلى ألمانيا، وهو يكره اليوم الذى وضع قدمه فيه مرة أخرى فى مصر.
وقع الخبر كالصاعقة على فريدريكا ووصمت زوجها بالخيبة والعبط حتى يستولى النصابون على ماله كله ويحصدوا تعب حياتهما معًا فى شهور كحصاد مباح لا صاحب له.
وجن جنون رامى، وأشعلت كلمات زوجته رأسه وقلبه، ولكنه لم يجد أحدًا ينصفه وينجده إلى ماله المسلوب بالخدعة والإجرام، فطفق يوجه السباب واللعان كل يوم إلى البعثة المصرية فى مدينته ويحمل لافتات الإهانة لكل مسؤولى مصر ولكل المقدسات التى لم تمنع النصابين من الاستيلاء على ثروة أخيهم فى الوطن وفى الإنسانية قبل كل شيء.
حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها إلى الخير.