إقحام الأتراك للمعارضة السورية في المواجهات ضد الكرد
حاولت تركيا من خلال دعم المنظمات المتطرفة وعلى رأسها "الداعش" في إحتلال وسط "روجآفا" في خريف 2014، إلا أن المقاومة الكردية التي تمت بدعم من التحالف الدولي أسقطت تلك المخططات لتحول خلال شهور قليلة تلك المنظمة الإرهابية من مراكزه الهجومية إلى قوة ضعيفة دفاعية لا تقوى أمام تقدم الوحدات الكردية.
وما حصل إن المخططات التركية فشلت وتطور الحال إلى تقدم قوات سوريا الديمقراطية إلى الوسط الشرقي لسوريا وتحرير مناطق هامة من حوض الفرات، حيث كان الطريق إلى المناطق الغربية من روجآفا سهلاً بعد تحرير مدينة منبج الإستراتيجية والتقدم نحو مدينة الباب التي تقاسم مع الحدود الشرقية لمقاطعة عفرين حيث القرى والبلدات الكردية ومناطق الشهباء، وهو ما دفعت بتركيا إلى تطبيق خطتها الثانية تحت مسمى "ب" على أساسها تنازلت للنظام السوري وجماعاتها المسلحة، وذلك بوساطة إيرانية ومخطط روسي كامل - عن كافة المدن التي كانت تتمركز فيها- ولعل مدينة حلب التي كانت تسيطر عليها الجماعات المسلحة نسبة 70% دفعت تركيا بهذه الجماعات إلى إخلائها وتسليمها للنظام السوري قبل شهور قليلة، وفي المقابل كانت الصفقة واضحة بعد السماح الروسي للاتراك في إحتلال مناطق جرابلس وإعزاز والباب، وبذلك منعت هذه التطورات تقدم الكرد نحو مقاطعة عفرين، وأصبحت التوزيعات الجديدة للأطراف بإتفاق النظام السوري والأتراك ومراقبة روسية تامة في حصار مقاطعة عفرين، والسماح للأتراك في الإنتشار حول عفرين من الجوانب الثلاثة، بالإضافة إلى الإبقاء بين مقاطعة عفرين وحلب- أي مناطق النظام – مفتوحة.
من الواضح إن الروس كل همهم هو إعادة هيمنة النظام إلى إدلب وبسرعة قصوى ودون خسائر، وهو ما تحققه تركيا لها، وفي المقابل تطالب تركيا بتخلي الروس عن دعم الكرد في مقاطعة عفرين حتى تكون هذه المنطقة لقمة صائغة للأتراك، من طرف تعاهدت تركيا في تصفية المعارضة المتطرفة في إدلب بيد المعارضة التي تسميها المعتدلة، وبذلك تسلم إدلب إلى النظام، ويتم تصفية المتطرفين هناك، وتضعف المعارضة السورية تماماً لتحول إلى ميليشيات خاصة بالامن القومي التركي في محاربة اي تطور كردي في سوريا وتوطينها بين كوباني وعفرين، من خلال عمليات التتريك والتعريب التي لم تتوقف خلال العقود الماضية على يد النظام السوري، وتكون كفة الميزان لصالح الاتراك في إحتلال عفرين من خلال جماعاته الكردية التي تحارب حتى اللحظة سياسياً وإعلامياً ضد الإدارة الذاتية- وفق ما تملي عليهم الاستخبارات التركية، وبمباركة واضحة من حليفة تركيا - الحزب الديمقراطي الكردستاني – باشور.
فيما إن السيناريو الثاني تركياً هو إعادة النظام السوري إلى عفرين من خلال الضغط على إدارة عفرين ودفعها إلى مطالبة النجدة من النظام السوري، وبذلك يعود النظام من خلال تقديم الدعم ومنع الأتراك مقابل إعادة سيطرته على عفرين.
وهو ما يتمناه النظام كي ينهي المعارضة في باقي المناطق، ومن ثم يكون سيطرته في عفرين ورقة ضغط على الإدارة الذاتية في كوباني والجزيرة كي تتنازل عن المناطق التي حررتها من الداعش، ومنها الرقة ومنابع النفط والغاز في جنوب الحكسة والسدود الإستراتيجية بين حلب والرقة.
تركيا بذلك تتخلص من التمدد الكردي غرب الفرات، والنظام يقضي على المعارضة ويكسب آلية جديدة للضغط على الكرد، فيما روسيا لاتفرق معها كل هذه العملية سوى إعادة سيطرة النظام على كافة سوريا، والطرح الروسي للوضع الكردي مجرد حقوق ثقافية ضمن سيطرة النظام السوري، وهو هدف يتفق معه الايرانيين والنظام والأتراك أيضاً.
الأمريكيين بالنسبة لمنطقة الجزيرة وكوباني واضحيين في قراراتهم وتحركاتهم، وهو حماية هذه المنطقة وجعلها إستراتيجية مستقبلية، إلا أن طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية السرية، إلا جانب وضع التركي الإستراتيجي في الشرق الأوسط، وجدية الموقف الروسي في الحفاظ على النظام ومناطق سيطرته، ووجود كيان مؤيد ولوبي قريب من الأتراك في واشنطن - لديه توجه في إبقاء الشرق الأوسط تحت نير الانظمة الإستبدادية، وإستمرار الحروب البينية دون حلول التي توفر لهم أرضية مناسبة في بيع منتوجاتهم الحربية، وطبيعة الدعم الإسرائيلي للتوجهات الروسية الإيرانية، جميع هذه العوامل لها تأثيرها في الوضع القائم وطبيعة الظروف التي تمر بسوريا.
وامام هذا التيار العالمي المعادي للقضية الكردية هناك أيضاً توجه لدى الإدارة الأمريكية في دعم حسم الفوضى الخلاقة التي هي صنعتها خلال الأعوام الماضية، حيث تواجدها العسكري ودعمها للكرد في محاربة الإرهاب، وقيامها بعمليات الحظر الجوي والبري لمنع الأتراك والروس والنظام في التقرب من وسط وشرق روجآفا - شمال شرقي سوريا، وإبعاد بعض الدول الخليجية عن الأتراك، يوضح لنا الخيار الأمريكي الإسترايتجي في دعم الإدارة الذاتية، إلا أنها لا تريد بنفس الوقت فتح جبهة مع الرباعي الروسي الإيراني التركي السوري في ظل الهيمنة الإيرانية على بغداد، والهيمنة التركية على أربيل، والهيمنة الإيرانية على أجزاء هامة من الخليج العربي ولبنان، في ظل الدعم الروسي المفتوح للإيرانيين، وجر الأتراك إلى المثلث الروسي، لإستخدامها ضد الأمريكيين، وهو ما يخشاه الأمريكيين إن أتخذوا إجراءات رسمية وتحركات ضد الأتراك، جميع هذه العوامل لها تأثيرها المباشر على الاحداث في ظل تأمين الإيرانيين للأمريكيين التغطية الكاملة في التواجد داخل الشرق الأوسط والسيطرة على الخليج العربي، فالشركات الغربية والأمريكية للاسلحة من خلال الضغط الإيراني والتلويح بحرب سنية شيعية توفر لهذه الشركات بيع اسلحتها للخليج العربي، وبذلك خدمات الإيرانيين كثيرة للأمريكيين والإسرائيليين الذين بدورهم يتوفر لهم تحالف سني ضد إيران، وطبعاً الإسرائيليين اكثر الذين يخدعون العرب كونهم يملكون علاقات إستراتيجية مع إيران وأذرعتها في الشرق الأوسط.
كما أسلفت، إن التوجه الأمريكي لدعم القوى الكردية ضد أنظمة الشرق الأوسط تدفع بهذه الانظمة إلى تسليم نفسها تماماً للأمريكيين، وهو ما يؤمن لهم التغطية الأمريكية في عدم دعم الكرد بشكل مباشر وفوري، وعدم فتح جبهة ضد هذه الانظمة.
إلى جانب إستمرار شرائح واسعة من شعوب المنطقة في دعم أنظمتهم حيال القضية الكردية، وهو ما يؤثر سلباً على إجراء تغيرات سريعة داخل هذه الدول، ويدع الكرد أمام مواجهات واسعة تدفع بهذه الانظمة إلى التكالب ضد القضية الكردية وفتح حرب شاملة ضد وجوده كما كان الحال في العقود الماضية.
والأسئلة المنطقية التي تفرض نفسها وفق إستشرافنا للأحداث:
- هل القوى العظمة في موقفها حيال الوضع الكردي في الشرق الأوسط ستكون أكثر حزماً ضد الانظمة الإستبدادية.
- كون عملية فك الدول وتركيبها مجدداً بشكل يتوافق مع المشاريع الخاصة بالدول الكبرى؟
- هل الأمريكيين جاديين في الدفاع عن مصالحهم داخل الشرق الأوسط من البوابة الكردية؟وخاصة إن الجيش التركي وكتائب الجماعات المتطرفة والمسلحة التي تدعمها على أهبة إعلان الحرب ضد مقاطعة عفرين، والمناوشات تجري الآن .