هارب «1»
المدينة كبيرة ومزدحمة بالبشر من مختلف البقاع، ولكن لا أحد يهتم فيها لرجا إلا أختها التى تعمل ساعات الليل وبعض ساعات النهار لتنفق على نفسها وعلى ولديها وعلى أختها أحيانًا، فليس لرجا أحد سوى أختها ذكرى، وقد قتل رجلها قبل سنوات عديدة فى موطنه العربى إذ كانا يعيشان، ولم تجد رجا شيئًا تعيش لأجله فى البلد العربى بعد مقتل زوجها فهجرته إلى تلك البلد الأفريقى لتكون إلى جوار أختها الطيبة.
فتارة تجد رجا نفسها سعيدة مقبلة على الحياة، وتارة تجد نفسها تعيسة تعيش فى خيالها قصص الماضى السعيد مع زوجها وحكايات تلك الأيام ورخاء تلك الفترة، وبعدما طال مكوثها فى معية أختها، وألفت ذلك البلد الطيب وشمسه الدافئة رأت أن تحاول الاتجار فى بعض السلع مما قد يحمله المسافرون من مصر إلى ذلك البلد الدافئ، ثم أضافت رجا إلى تجارتها الصغيرة خدمة شراء وإحضار ما يطلبه الزبون - على وجه الخصوص– من مصر مقابل سعر أكبر قليلًا.
وهكذا مضى حال رجا لسنوات طويلة، رغم قلة زبائنها، فالمصريون لا يقبلون كثيرًا على البلاد الأفريقية للمعيشة ولا للعمل، إلا فيما ندر، وكلما ظهر زبون جديد أشرقت ملامح رجا استبشارًا بدخل أفضل وطلب أكثر على بضائها وخدماتها. وعندما طرق زكى باب ذكرى رحبت الأختان على الفور بالطارق العزيز، وراحا يمطرانه بوابل من الأسئلة والاستفسارات الخاصة والعامة، كأنه فرد من عائلتهم غاب عنهم زمنًا طويلًا وفد عاد من توه إلى أهله وأسرته، فقد كان زكى ذكيًّا فى ملامحه أنيقًا فى ملبسه، بحيث تشعر بالمودة نحوه كأنك رأيته من قبل أو عرفته من قبل.
كان زكى ناعم الحديث لا يصدك ولا يردك ولا يحتد عليك ولا يغضب منك، فراح يتجاوب مع أسئلة الشقيقتين النهمتين إلى السؤال وإلى سماع الإجابة ويتحاور معهما فى شئون البلد الأفريقى الذى وفد إليه قبل أسابيع قليلة بحثًا عن عمل وعن استقرار، ولم تبخل عليه الشقيقتان بمعلومة يعلمانها، وانقضى المساء وقد صار الجميع على معرفة طيبة، وغادر زكى الشقيقتين وهما يدعوانه إلى زيارة أخرى وزيارات مجددة، فما اشد الحاجة إلى زبون طيب المظهر، فربما ابتاع وطلب أشياء كثيرة وأدخل السرور على قلب رجا وقلب ـختها.
قال زكى إنه يعمل عملًا حرًا وأنه جاء إلى أفريقيا ليستطلع ظروق العمل وفرص نشاطه فيها، وذلك حبًا فى توسيع دائرة عمله وعقد صفقات أفضل. وقد ابتهجت رجا لهذا الحديث وسرت فى قلبها مما سمعت من حديث توسيع دائرة العمل والصفقات الأفضل والأكبر، فما سمعته قد يعنى أن زكى زبون ثرى وبوسعه – اذا أحسنت رجا معاملته وأحسنت تقديم خدماتها إليه– أن يطلب الكثير من الخدمات والكثير من البضائع دون أن يبالى لارتفاع السعر أو تكلفة الخدمة. «يتبع»