في الزواج لا بد وأن تسأل
إن المجتمعات تتقدم فى مجالات كثيرة وتتكاثر فى العدد وتزداد الناس فيها كل يوم وتتعاظم فيها أشياء كثيرة، وتتضاءل فيها أشياء كثيرة أيضا، فهل تتعاظم الثقة بين الناس الآن، وتتعاظم قيمة الصدق وتتزين الأمانة فى أيامنا هذه بالوقار أو تقبع فى ركن مظلم؟
إن الحياة تمشى سريعا إلى الأمام الذى يمثله النمو والثراء والعلم فى أمور كثيرة، ولكنها تفقد رصيدها فى أمور أخرى عديدة وتتجه إلى الخلف الذى يمثله السلبية والضعف والضرر والجهل والفقر فى أمور عديدة، فقد أصبح كثيرون لا يرون سوى المال ولا يحترمون سواه، ويأكلون منه ويجنون منه ولا يشبعون، ويمدون أيديهم إلى أموال الناس فيأخذونها ولا يبالون ويزدادون فقرا وعوزا ولا يتعلمون ولا يرتدعون ولا يرجعون عما يقترفون، ولا يشق النور طريقا إلى عقولهم المظلمة أبدا، رغم أنهم يحملون ألقاب الأستاذية وكل الألقاب الرفيعة الأخرى، ويواصلون جنى المزيد من الألقاب، الطماعون النهابون يواصلون جنى الألقاب الرفيعة هم وأولادهم بالغش، ليختفوا وراءها جميعا ويصلوا إلى ما فى أيدى الناس المخدوعين الضحايا، فغش اليوم كثير، وكثير منه بوجاهة الألقاب التى قد لا تعنى بالضرورة ما ينبغى أن تعنى. فحاملوها لا يؤمنون بما قرأوا حقيقة، ولا يؤمنون بالعلم ولا يؤمنون بخلق، وإنما يؤمنون بالفراغ وبالمظهر وبالانتهازية، ولمن اكتفى بالمظهر البراق أن يتحمل ثمن اختياره وعاقبة قراره.
إن المظهر البراق الرائع متيسر اليوم فى محال التجميل ومحال الإكسسوارات والسيارات المتواضعة والباهظة التكلفة، ويمكن للراغبين أن يشتروا المظهر الذى يرغبون فيه بالمال، ويضيفون إلى ذلك ما يشاؤون مما يغرى الناس ويجرى لعابهم.
فلن يكون الخطأ خطأهم وحدهم حين يسعون إلى اصطياد ما فى أيدى البعض وتوريطهم فى حكايات صعبة ومسارات حياتية غليظة وممتدة، وإنما سيكون الخطأ أيضا خطأ الذين لا يمعنون النظر فيما وراء المظهر ويكتفون بالمظهر ويمنون أنفسهم بالفوز وبالمغانم.
إن الخداع فى الزواج قد يورط الناس فى مسارات مظلمة وتعيسة مع أناس لم يعرفوا كثيرا مما حرصوا على الظهور به وعلى إظهاره للناس ولضحاياهم على وجه الخصوص بالطبع، فالمظهر الجيد البراق – حين يكون حقيقيا - ينبع من الامتلاء ومن السعى الحثيث المتواصل ومن القبول ومن الثراء النفسى ومن الرؤية الكامنة فى القلب ومن القوة النابعة من الروح ومن النجاح المتواصل، ولكن المظهر الخداع المزيف لا يصدر عن شيء قيم ولا يدارى إلا قبحا فى الطبع وسما أسود فى القلب وضعفا فى القدرات وعلة فى الرأى والتواء فى الفكر وسوءا فى النوايا.
وما الخديعة فى الزواج بخديعة سريعة وتنقضى كحادثة كانت وراحت . ولكن زواج الخديعة قد يطول – قبل أن ينكشف وتظهر الوجوه الحقيقية وراء الخديعة – بينما تأتى رابطة الزواج بخلق جديد إلى هذه الدنيا وتصنع رباطا أبديا بين نصاب أو نصابة وبين أناس خدعوا ولم يروا ما وراء المظهر، وبذلك يزداد ضحايا الخديعة ضحية أو أكثر ويتفاقم الألم وتغوص المعاناة إلى أعماق القلب.
قال لى صديق تخطت تجربته فى الزواج الآن عقدين من الزمان وأكثر، إنه لم يهتم بالتحرى عن أهل الفتاة التى أراد أن يتقدم لخطبتها – حين أراد الزواج- فقد كان على عجلة من أمره بسبب ارتباطات وظيفته وآثر الثقة فى حدسه وفى تقدير عقله ومؤشرات خبراته وتوكل على الله وتقدم وتزوج، وسارت الأمور على ما يرام حتى وقتنا هذا.. سكت صديقى برهة، قبل أن يضيف: إننى حتى لم أعرف اسم أبيها حينذاك، وحدث ذلك مع أناس أى أنهم رأوا أشخاصا آخرين وأعجبوا بهم وتقدموا إليهم ببساطة هكذا دون بحث ولا فحص ولا سؤال وتزوجوا ووفقوا فى حياتهم، ولكن هذه البساطة الثمينة والصدق الأثير ليسا مباحين للجميع، ولا يعثر عليهما الكثيرون، فقد اصطدم كثيرون بقصص مروعة من الغش ومن الخداع، وهم يحاولون الزواج مستعينين بحسن النوايا، وخسروا كثيرا من الوقت ومن الطاقة ومن المال، واضطروا إلى خوض معارك قصيرة وطويلة، من أجل الدفاع عن أسمائهم وعن أصولهم التى أصبحت بالغش معرضة للسؤال، ولولا مصداقيتهم وتاريخهم النبيل وذكراهم الطيبة لدى الناس، لوجد غش الغشاشين طريقه إلى قلوبهم وأشخاصهم وعناوينهم البريئة، ولما نجوا من جريمة الطماعين المحتالين الذين يمكنهم أن يأكلوا مالك ويستمرئوا خدماتك لهم ولأتباعهم ولعائلاتهم، ولا يترددون أيضا فى محاولة الإجهاز عليك ماديا وأدبيا.
إن السؤال والتحرى فى مسألة الزواج عن الطرف الآخر لازم وواجب، وخاصة إذا كان التعارف سريعا ووليد الأمس أو اليوم، ولا يعود إلى زمن قديم، وكل تسرع أو إهمال فى هذا الشأن قد يكون مكلفا وموجعا إلى أبعد حد، حفظ الله مصر دولة مدنية، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير.