أحفاد الشابي يتكلمون: «المباركي»: في تونس توجد هرولة نحو الرواية
أحمد المباركى أديب تونسى وُلد 1968م بمدينة توزر مسقط رأس شاعر تونس الأشهر أبى القاسم الشابى.. ويتميز بأنه أديب شامل يحلق بثلاثة أجنحة: الشعر والقصة والنقد ويحلم بنص أجمل وعالم أفضل، وله 16 عملا مطبوعًا: 9 دواوين شعرية من قصيدة البيت: (مشكاة الروح 2010م - طائر النار- يا حامل الحرف - فى رحاب المصطفى- النشيد والطوفان - هذا الجريد - زهرة الأكوان - فيوضات نبوية 2016م - قلبى النور 2018م)، وديوانان للأطفال: (مواويل للأشبال والوطن، وأغاريد للأجيال 2017م) ومجموعتان قصصيتان: (حديث عجاب 2011 - مذكرات معتوه 2018م) وكتاب نقدى: فى أسئلة الشعر 2018م، وكتبت عن أدبه دراسات نقدية جمعها كتاب «تجربة الأديب أحمد المباركى فى عيون النقاد والصحافة 2018م».. مع هذا المبدع كان لنا لقاء طويل سألناه فى بدايته:
الشعر موقف من الحياة.. فما الذى تجسده أشعارك؟
تجسد جراحات القدس النازفة، وعشقى للرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، وأحلام الأطفال بغد أجمل، وعالم زاهٍ رائق سندسى الثوب وضاح الجبين، كما تجسد سناء موطنى تونس وبهاءها وشموخها، ومصر وجمال نيلها وبغداد وإشراقات كرخها ودمشق وتبسم ياسمينها، وتوق الإنسان إلى التحرر والطيران بعيدًا عن عالم الأحقاد والأشجان وقد أرسم محنة العرب وعجزهم فى بيتى الآتيين:
ما للعروبة تبدو مثل جاريـــــة الكل يأخذ من أثدائها غدقـا؟!
ما للقبائل فى طاحون مختبل يقلبون على أقفائهم صعقا!؟
*وهل يمكن قراءة الواقع الاجتماعى للشاعر من خلال قصائده؟
النسيج الشعرى مرآة - إلى حد ما - للواقع وتداعياته وحرائقه، وعبر التاريخ الأدبى تنفلت القصيدة من سجون التصنيف والتقيد بالهموم الذاتية والموضوعية، خاصة أمام طيران القصيدة المعاصرة إلى العالم الأصفر، إذ الهايكو اليابانى وقصائد الومضة الغربية والنص المفتوح، الذى يصعب تجنيسه، ولكن من زاوية مخصوصة ترسم القصيدة الهموم والجراحات، وإن تخفت واحتضنتها التورية وتخطفها الغموض والإبهام.
- مواقع التواصل الاجتماعى هل تراها حلت بديلا عن المجموعات الورقية؟
لا يمكن لمواقع التواصل الاجتماعى طمس بهاء الكتاب الورقى باعتبارها - رغم انتشارها - ليست فى متناول الجميع، فهناك فقراء فى مجاهل العالم وأدغاله لا يستطيعون مواكبتها إضافة إلى كلفتها، ولا يختلف اثنان فى جاذبية الكتاب الورقى - حتى فى الدول المتقدمة تكنولوجيا - فهو غير مرتبط بالكهرباء ونحوها، ولا يمكن الاستغناء عنه فهو ذاكرة الشعوب، وأعتقد أن الكتابين الورقى والإلكترونى متكاملان.
- قدمت الشعر والقصة والنقد الأدبى، فى أى هذه الفنون ترى نفسك وهل يمكن أن يمتهن الشاعر والأديب النقد؟
ثلاثة أرباع منجزى الإبداعى شعر أقصد: شعر الكبار وشعر الأطفال وشعر المديح النبوى، وما القص والنقد الأدبى عندى إلا استراحة محارب من عسر صناعة القصيدة، وعبر التاريخ كان الشعراء نقادًا.. ألم يكن نابغة بنى ذبيان ناقدًا فى سوق عكاظ فى الجاهلية؟؟ والشاعر ابن رشيق القيروانى ناقدًا مؤلفًا لكتاب «العمدة فى نقد الشعر»؟ وقبل قرن تقريبًا كتب ميخائيل نعيمة «الغربال» والشابى (الخيال الشعرى عند العرب)، وكذلك أسست نازك الملائكة مع السياب لمعمار الشعر الحديث/ قصيدة التفعيلة، وفى العالم العربى اليوم قوائم كثيرة من لشعراء مارسوا النقد، فناسج النصوص البديعة يعى النقد وتفاصيل جسد قصائده ويستفيد من كل اللواقح.
* وما موقفك من قصيدة النثر؟
برغم أنى ناسج آلاف الأبيات العمودية، أعشق قصيدة النثر وأستفيد من انسيابيتها ومرونتها وتوظيفها لليومى والأساطير والأمثال والقصص القرآنى، ولا أرى صراعًا بين الأجناس إلا فى مخيلة بعض المرضى الذين يرفضون غيرهم، وأتبنى موقف الشاعر الفلسطينى الراحل سميح القاسم فى أن «للأرض قممًا كثيرة».. فكذلك المبدعون كثر فى قصائد البيت وفى النثر وفى قصائد الومضة ووو...
* هل ترى الانفتاح على التجارب الغربية مفيدًا للشعر العربى؟
نعم للانفتاح المدروس الذى نحسن توظيفه مفيد للشعر العربى، أما الانفتاح الذى يسلبنا هويتنا ويذيب بصمتنا وأمجادنا فلا خير فيه، لذا أدعو إلى الاستفادة من التجارب العالمية دون أن نذيب بهاء إرثنا.
- وكيف ترى تأثير تجربة أبى القاسم الشابى فى تجارب الشعراء المعاصرين؟
أبو القاسم الشابى شاعر تونس الخضراء ملهم الشعوب العربية التحرر والكرامة، وأعتقد أنه تشظى إلى اتجاهين: رومانسى وواقعى وطنى، وتأثر به شعراء كثر بعده مثل: مصطفى خريف ومنور صمادح وغيرهما.. ولكن الشعراء المعاصرين فى تونس عمومًا باتوا يحلمون بشعر مختلف بعيدًا عن أرض العروبة، فتعملقت قصيدة الومضة والنص المفتوح والأقصودة والمقالات الرمزية ذات المنحى الصوفى والهايكو اليابانى و.. و.. و.. ولكن يظل شعراء آخرون يرون الشابى ملهمهم الهوية والأصالة والانفتاح الجميل على إبداعات الإغريق وغيرهم.. فما أبهى قوله:
إنى أنا الناى الذى لا تنتهى .. أنغامه مادام فى الأحياء
* وما تقويمك لواقع الأدب حاليًا فى تونس وسمات القصيدة المعاصرة؟ والتحديات التى تواجهها؟ ومن يلفت انتباهك من الشعراء الشباب؟
هناك هرولة فى تونس نحو السرد.. نحو الرواية أساسًا، باعتبارها أكثر مبيعًا ورواجًا، حتى لقد نجد شعراء كبارًا توجهوا إليها كيوسف رزوقة والمنصف الوهايبى وشفيق الطارقى، ولا أدعى أن الدافع المادى- اشتراك الرواية فى مسابقات كتارا وكومار ومصطفى عزوز فى أدب الطفل و.. و.. و.. هو الوحيد، فالشعر انفلق وتشظى، وأصبح فى أحايين كثيرة بلا معنى أو طعم، إذ ركب صهوته كل من هب ودب.. ولعل من سمات القصيدة الحديثة انفتاحها على مدارس العالمين الغربى والشرقى (قصائد الومضة -القصيدة اللوحة - الأقصودة) ولكن ما انفكت أصوات أخرى وأنا من ضمنها تدعو لتطوير قصيدة البيت فى تونس، وأما التحديات التى تواجهها القصيدة الحديثة، ففقدان البوصلة وغياب الملامح، حتى لتخال الحدود ذابت بين كل الأجناس بين الشعر والسرد والمسرح والسينما، وما زاد الطين بلة غياب النقد النزيه وإن وجد فمكسون بالمجاملات ومترع بالإخوانيات والوساطات.
بيد أن كل هذه الغيوم لا تمحى شموس أصوات شابة رائقة رقراقة، مثل مبروك السيارى وسالم الشرفى ومعز العكايشى ويوسف رزوقة والشاذلى القرواشى، وكثير غيرهم.
- يقولون «هذا زمن الرواية» فهل سقطت دولة الشعر؟
لن يسقط الشعر مطلقًا ولن تغوى الرواية الكثير، وإن احتوت الرواية جل الأجناس الفنية من: قصائد وقصص ومذكرات ويوميات وتقارير ومسرح وسينما ومقالات صحفية وكشوفات علمية ورؤى فلسفية وصوفية وجغرافية وتاريخية، وعليه تكون الرواية - من هذه الزاوية - استراحة المحارب يجد فيها القارئ ضالته.