مسرح الشارع بعيدًا عن مقص الرقيب
قيض لى مشاهدة مسرحية رائعة بعد محاضرة أروع للدكتور علاء كريم والضيف د. عامر مرزوك، استمتعت خلالها بحديث موسع عن مسرح الشارع، وعرفت أن الحوار المكثف الموجز هو هدف هذا المسرح، أى تأدية حوار الدور المطلوب بأقصر عبارة، فيتأثر المشاهد ويتأزم الصراع وتتشابك الأحداث وتأتى العقدة فالحل ثم النتيجة، والهدف من العرض المسرحى فى باحة أو قهوة أو طريق هو أن يشتعل الصراع وتتسارع الأحداث، مع قدرة الكاتب على إيصال المعانى العميقة بلغة مؤثرة وأحيانًا ناطقة صامتة، فتظهر المسرحية إمكانيتها من خلال الأداء.
وأعتقد أن مسرح الشارع عبر التجربة العربية فى العراق ومصر والسودان، وصل إلى مرحلة لا بأس بها، إذ صار نقطة ضوء لانطلاق الحدث مبنيًا لغرض وغاية ورمز ودلالة وصولا إلى الهدف، وعلى الرغم من المشقة والصعاب، المتمثلة فى عدم تفاعل المجتمع بشكل كامل وعدم دعم الممثل والمخرج والكاتب، الذين يعملون بجهود فردية، ومع ذلك أثبتوا ذواتهم وخرجوا من مسرح العلبة إلى الشارع تأثرًا بالتجربة الأوروبية، لتحريك الحدث وجعل عوامل الصراع المضادة للتفكير الخطأ تتغلب دائمًا، من خلال استغلال عاملى التنظير والتطبيق والخروج من السطحية إلى العمق.
ورغم قدم الفكرة التى تقودنا إلى بدايات المسرح وشكله الأول، إلا أن مسرح الشارع صار نافذة من نوافذ السياحة الفكرية والإبداع المسرحى، وبوابة للنقد والتقويم للواقع بمختلف مظاهره بعيدًا عن مقص الرقيب، إذ يمثل رسالة فنية مهمة، عبر مسرح ارتجالى نمطى يحترم جمهوره.
وتبدى ذلك خلال مهرجان دولى لمسرح الشارع أقامه العراق ٢٠١٠م وكان لى شرف حضوره، وهدف إلى تقديم رسائل تحمل مضمونا أيديولوجيًا ومعرفيًا، عبر عرض لحسين مالتوس، أذهل النخبة الحاضرة بعرض صامت ناطق تقوم فكرته على أن التضحية غاية الوجود، ويندمج التفكير مع حب الوطن ورفع العلم وهموم الحياة والموازنة بين عقيدته والمواطنة وبين هموم حياته، وأجاد للمخرج بزجه الرمزية عبر إطار فارغ متوسم بالسواد بيّن لنا واقعًا مريضًا، ومن أجل تحريك هذا الواقع مزجه بموسيقى تحفيرية يتفاعل معها حسين بأداء عظيم وتجسيد رهيب.. والأروع أن د. جبار خماط أتحف الحضور بعد العرض بمداخلة عن مسرح الشارع وريادته أفصح فيها عن الفكرة.